يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ وَلَا يَزْدَادُونَ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَخْبَرُوا أَنَّهُمْ عَرَفُوا الْقَاتِلَ.
قَالَ (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَمَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ) لِأَنَّ الَّذِي حَصَلَ فِي الْقَبِيلَةِ وَالْمَحَلَّةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ، فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ. وَلَهُ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ، فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ أُضِيفَ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ احْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْتُ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ فَلَا يَلْزَمُ بِالشَّكِّ.
(وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ بِهِ رَمَقٌ حَمَلَهُ إنْسَانٌ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ الَّذِي حَمَلَهُ إلَى أَهْلِهِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ) لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ.
(وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَزُفَرُ لَا شَيْءَ فِيهِ) لِأَنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حِينَ وُجِدَ الْجَرِيحُ
فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أَنَّ وُجُوبَ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِمْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ مِنْهُمْ فَتَعْيِينُهُ وَاحِدًا مِنْهُمْ لَا يُنَافِي ابْتِدَاءَ الْأَمْرِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ) يَعْنِي وَلَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عُلِمَ سَقَطَ الْقَسَامَةُ، بَلْ فِيهِ الْقِصَاصُ عَلَى الْجَارِحِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ خَطَأً، فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ الْجَارِحُ فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ صَاحِبَ فِرَاشٍ حِينَ جُرِحَ أَوْ يَكُونَ صَحِيحًا حِينَئِذٍ بِحَيْثُ يَجِيءُ وَيَذْهَبُ. فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْقَبِيلَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهُوَ مَذْهَبُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ظَاهِرٌ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا افْتَرَقَ الْحُكْمُ بَيْنَ صَيْرُورَتِهِ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَعَدَمِ صَيْرُورَتِهِ كَذَلِكَ كَمَا لَا يَفْتَرِقُ فِي حَقِّ الْقِصَاصِ؛ فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَقْتَ الْجَرْحِ صَاحِبَ فِرَاشٍ ثُمَّ سَرَى فَمَاتَ وَجَبَ الْقِصَاصُ.
وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ رُدَّتَا فِي قَتِيلٍ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُعْلَمْ لَهُ قَاتِلٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى ذَلِكَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ، وَالْمَجْرُوحُ فِي مَحَلَّةٍ لَمْ يُعْلَمْ جَارِحُهُ إذَا صَارَ صَاحِبَ فِرَاشٍ قَتِيلٌ شَرْعًا؛ لِأَنَّهُ صَارَ مَرِيضًا مَرَضَ الْمَوْتِ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمَيِّتِ فِي التَّصَرُّفَاتِ فَجُعِلَ كَأَنَّهُ مَاتَ حِينَ جُرِحَ فَوَجَبَتْ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فَهُوَ فِي حُكْمِ التَّصَرُّفَاتِ لَمْ يُجْعَلْ كَالْمَيِّتِ مِنْ حِينِ جُرِحَ، فَكَذَلِكَ فِي الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مَعَهُ جَرِيحٌ إلَخْ) حُكْمُهُ ظَاهِرٌ مِنْ مَسْأَلَةِ مَنْ جُرِحَ فِي قَبِيلَةٍ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِهِ: وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَيْ الْقَوْلَيْنِ فِيمَا قَبْلَهُ فِي مَسْأَلَةِ الْقَبِيلَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ وُجِدَ رَجُلٌ قَتِيلًا فِي دَارِ نَفْسِهِ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ ﵀ قَالَ: فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِوَرَثَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀. ثُمَّ قَالَ فِي دَلِيلِهِ: وَحَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute