للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَيَكُونُ هَدَرًا. وَلَهُ أَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا تَجِبُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِ الْقَتْلِ، وَلِهَذَا لَا يَدْخُلُ فِي الدِّيَةِ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَحَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ إذَا وُجِدَ قَتِيلًا

ظُهُورِ الْقَتْلِ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَتَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ، وَفِيهِ تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ وَمُخَالَفَةٌ بَيْنَ الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ، وَدُفِعَ ذَلِكَ بِأَنْ يُقَالَ عَاقِلَةُ الْمَيِّتِ إمَّا أَنْ تَكُونَ عَاقِلَةَ الْوَرَثَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَيِّتِ وَهُمْ عَاقِلَةُ الْوَرَثَةِ فَلَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ كَانَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ، وَلَمَّا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُمْكِنًا أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ فِي حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ وَإِلَى الثَّانِي فِي دَلِيلِهَا، وَعَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي يُقَدَّرُ فِي قَوْلِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ مُضَافٌ: أَيْ عَلَى عَاقِلَةِ وَرَثَتِهِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ وَجْهِ الْمَسْأَلَةِ لِلْجَانِبَيْنِ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَى وَجْهِ أَبِي حَنِيفَةَ بِأَنَّ الدِّيَةَ إذَا وَجَبَتْ عَلَى عَاقِلَةِ الْوَرَثَةِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِلْوَرَثَةِ فَكَيْفَ يَسْتَقِيمُ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُمْ لَهُمْ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا تَجِبُ لِلْمَقْتُولِ حَتَّى تُقْضَى مِنْهَا دُيُونُهُ وَتُنَفَّذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ يَخْلُفُهُ الْوَارِثُ فِيهِ، وَهُوَ نَظِيرُ الصَّبِيِّ وَالْمَعْتُوهِ إذَا قَتَلَ أَبَاهُ تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ، وَتَكُونُ مِيرَاثًا لَهُ. ثُمَّ اعْلَمْ بِأَنَّهُ صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي ذِكْرِهِ الدِّيَةَ فِي الْحُكْمِ وَالْقَسَامَةِ، فِي دَلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْقَسَامَةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ وُجُوبَ الدِّيَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، فَإِنَّ الْقَسَامَةَ لَمْ تُذْكَرْ فِي الْأَصْلِ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَا تَجِبُ؛ لِأَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمَنْ يَعْلَمُ بِحَالِ الْقَتِيلِ وَلَيْسَ هَاهُنَا مَنْ يَعْلَمُهُ فَلَا تَلْزَمُ الْقَسَامَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: تَجِبُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ جَمَاعَةٌ اتَّفَقُوا عَلَى قَتْلِهِ فَقَتَلُوهُ فِي دَارِهِ فَيَكُونُ ثَمَّةَ مَنْ يَعْلَمُ بِحَالِهِ، وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَاكْتَفَى بِذِكْرِهَا فِي الدَّلِيلِ عَنْ ذِكْرِ الدِّيَةِ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا يَسْتَلْزِمُ وُجُوبَ الدِّيَةِ، وَمَا أَلْطَفَهُ مُخْبِرًا بَلَّ اللَّهُ ثَرَاهُ. وَلَمَّا اسْتَشْعَرَ وُرُودَ مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ إذَا وَجَدَ قَتِيلًا فِي دَارِهِ كَالنَّقْضِ عَلَى مَا ذُكِرَ أَشَارَ إلَى الْجَوَابِ بِقَوْلِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>