للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَوْ اسْتَنَدَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ يَنْقَلِبُ حَقِيقَةً قَبْلَهُ، وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ وَأَجَازَهُ الْبَقِيَّةُ فَحُكْمُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ.

فَلَوْ اسْتَنَدَ) مِلْكُهُ إلَى أَوَّلِ الْمَرَضِ (مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً) وَذَلِكَ بَاطِلٌ لِوُقُوعِ الْحُكْمِ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ دَفْعًا لِوَهْمِ مَنْ يَقُولُ حَقُّ الْوَارِثِ يَتَعَلَّقُ بِمَالِ الْمُورَثِ مِنْ أَوَّلِ الْمَرَضِ حَتَّى مَنَعَ ذَلِكَ التَّعَلُّقُ تَصَرُّفَ الْمُورَثِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَيَجِبُ أَنْ يَظْهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعَلُّقِ فِي حَقِّ إسْقَاطِهِمْ بِالْإِجَازَةِ أَيْضًا. وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّهُ لَوْ ظَهَرَ أَثَرُ ذَلِكَ التَّعْلِيقِ فِي ذَلِكَ أَيْضًا لَانْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا مَرَّ، فَإِنْ قِيلَ: الْوَارِثُ إذَا عَفَا عَنْ جَارِحِ أَبِيهِ قَبْلَ مَوْتِ أَبِيهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَحَدُ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ لَا يَلْزَمَ مِنْ الِاسْتِنَادِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَلْبُ الْحَقِّ حَقِيقَةً، وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْقَلْبُ مَانِعًا. أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا الْقَلْبَ مَانِعٌ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ السَّبَبُ وَالْجُرْحُ سَبَبُ الْمَوْتِ وَقَدْ تَحَقَّقَ، بِخِلَافِ الْإِجَازَةِ فَإِنَّ السَّبَبَ لَمْ يَتَحَقَّقْ ثَمَّةَ؛ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ مَرَضُ الْمَوْتِ وَمَرَضُ الْمَوْتِ هُوَ الْمُتَّصِلُ بِالْمَوْتِ، فَقَبْلَ الِاتِّصَالِ لَوْ انْقَلَبَ الْحَقُّ حَقِيقَةً وَقَعَ الْحُكْمُ قَبْلَ السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ، فَنَحْنُ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ نُبْطِلَ الْعَفْوَ عَنْ الْجَارِحِ نَظَرًا إلَى عَدَمِ الْحَقِيقَةِ، وَإِمَّا أَنْ نُجِيزَ الْإِجَازَةَ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ وَفِي ذَلِكَ إبْطَالٌ لِأَحَدِهِمَا، فَقُلْنَا: لَا تَجُوزُ الْإِجَازَةُ نَظَرًا إلَى انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ، وَجَازَ الْعَفْوُ نَظَرًا إلَى وُجُودِ الْحَقِّ، وَلَمْ نَعْكِسْ لِكَوْنِ الْعَفْوِ مَطْلُوبَ الْحُصُولِ. وَقَوْلُهُ (وَالرِّضَا بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا يَكُونُ رِضًا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْإِجَازَةُ إسْقَاطٌ مِنْ الْوَارِثِ لِحَقِّهِ بِرِضَاهُ فَكَانَ كَسَائِرِ الْإِسْقَاطَاتِ وَفِيهِ لَا رُجُوعَ فَكَذَا فِيهَا. وَوَجْهُهُ أَنَّهُ قَدْ عُرِفَ أَنَّ ثَمَّةَ حَقًّا وَحَقِيقَةً، وَإِنَّمَا رَضِيَ بِبُطْلَانِ الْحَقِّ لَا بِبُطْلَانِ الْحَقِيقَةِ؛ لِأَنَّ الرِّضَا بِبُطْلَانِهَا يَسْتَلْزِمُ وُجُودَهَا وَلَا وُجُودَ لَهَا قَبْلَ السَّبَبِ. وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ) ظَاهِرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>