وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ بِالتَّرْكِ عَلَى وَرَثَتِهِ كَمَا بَيَّنَّاهُ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ لَا إلَى مَا يَتَّفِقُ بِحُكْمِ الْحَالِ اعْتَبَرَهُ بِالطَّلَاقِ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ وَلَا وَصِيَّهُ وَإِنْ كَانَ يَتَّفِقُ نَافِعًا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، وَكَذَا إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَ إذَا أَدْرَكْت فَثُلُثُ مَالِي لِفُلَانٍ وَصِيَّةً لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ،
وَقَوْلُهُ (أَنَّهُ أَوْصَى لِابْنَةِ عَمٍّ لَهُ بِمَالٍ) لَا يُنَافِي أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِتَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَالِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْأَثَرِ لَا يَصِحُّ مِنْ الشَّافِعِيِّ؛ لِأَنَّهُ مُرْسَلٌ؛ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ عُمَرَ وَابْنِ سُلَيْمٍ وَهُوَ لَمْ يَلْقَ عُمَرَ، وَعِنْدَنَا الْمُرْسَلُ وَإِنْ كَانَ حُجَّةً لَكِنَّ هَذَا يُخَالِفُ قَوْلَهُ ﵊ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْقَلَمِ التَّكْلِيفُ وَمَا نَحْنُ فِيهِ لَيْسَ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ: هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَابْتَلُوا الْيَتَامَى﴾ الْآيَةَ، فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّبِيَّ مَمْنُوعٌ عَنْ مَالِهِ. وَقَوْلُهُ (وَهُوَ يُحْرِزُ الثَّوَابَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ؛ وَلِأَنَّهُ نَظَرَ لَهُ بِصَرْفِهِ إلَى نَفْسِهِ فِي نَيْلِ الزُّلْفَى. وَقَوْلُهُ (كَمَا بَيَّنَّاهُ) إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصَّدَقَةِ عَلَى الْقَرِيبِ إلَخْ، فَإِنَّهُ يُفِيدُ إمَّا أَفْضَلِيَّةَ التَّرْكِ فِي الثَّوَابِ أَوْ تَسَاوِيهِمَا فِيهِ، وَقَوْلُهُ (وَالْمُعْتَبَرُ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ) تَنْزِلُ فِي الْجَوَابِ كَأَنَّهُ يَقُولُ: سَلَّمْنَا أَنَّ بِالْوَصِيَّةِ يَحْصُلُ الثَّوَابُ دُونَ تَرْكِهَا، لَكِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي النَّفْعِ وَالضَّرَرِ هُوَ النَّظَرُ إلَى أَوْضَاعِ التَّصَرُّفَاتِ دُونَ الْعَوَارِضِ اللَّاحِقَةِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ نَافِعًا بِأَنْ يُطَلِّقُ امْرَأَةً مُعْسِرَةً شَوْهَاءَ وَيَتَزَوَّجَ بِأُخْتِهَا الْمُوسِرَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute