بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتِمَّةٌ وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ سُقُوطِهِ.
قَالَ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً) لِأَنَّ مَالَهُ لَا يَقْبَلُ التَّبَرُّعَ، وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَصِحُّ، وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ رَدًّا لَهَا إلَى مُكَاتَبٍ يَقُولُ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ عَتَقَ فَمَلَكَ، وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ وَبِالْحَمْلِ إذَا وُضِعَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْوَصِيَّةَ اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ وَالْجَنِينُ صَلَحَ خَلِيفَةً فِي الْإِرْثِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ إذْ هِيَ أُخْتُهُ،
الْحَسْنَاءِ لِكَوْنِ ذَلِكَ مِنْ الْعَوَارِضِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي الْأَصْلِ تَبَرُّعٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْعَبْدِ وَالْمُكَاتَبِ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْت فَثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ يَصِحُّ (لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا مُسْتَتَمَّةٌ) أَيْ تَامَّةٌ وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ سُقُوطِ الْمَانِعِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا تَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُكَاتَبِ) يَعْنِي تَنْجِيزَهُ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْعِتْقِ صَحِيحَةٌ كَمَا مَرَّ آنِفًا. وَقَوْلُهُ (وَالْخِلَافُ فِيهَا مَعْرُوفٌ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ) يَعْنِي فِي بَابِ الْحِنْثِ فِي مِلْكِ الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ مِنْ أَيْمَانِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ، وَمَا عُرِفَ ثَمَّةَ هُوَ أَنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ فِيمَا أَسْتَقْبِلُ فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَتَقَ عِنْدَهُمَا، لَهُمَا أَنَّ ذِكْرَ الْمِلْكِ يَنْصَرِفُ إلَى مِلْكٍ كَامِلٍ قَابِلٍ لِلْإِعْتَاقِ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ لِلْمُكَاتَبِ نَوْعَيْنِ مِنْ الْمِلْكِ: أَحَدَهُمَا ظَاهِرٌ وَهُوَ مَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ، وَالثَّانِيَ: غَيْرُ ظَاهِرٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ الْإِعْتَاقِ فَيَنْصَرِفُ الْيَمِينُ إلَى الظَّاهِرِ دُونَ غَيْرِ الظَّاهِرِ.
وَقَوْلُهُ (وَتَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِمَا فِي بَطْنِ فُلَانَةَ (وَبِالْحَمْلِ) كَمَا إذَا أَوْصَى بِمَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ مِنْ الْمَوْلَى إذَا عَلِمَ أَنَّهُ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ بِهِ، وَمَعْرِفَةُ ذَلِكَ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي شَرْحِ الْكَافِي، وَمِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي عَلَى مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ (أَمَّا الْأَوَّلُ) وَهُوَ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ (فَلِأَنَّهَا اسْتِخْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهُ خَلِيفَةً فِي بَعْضِ مَالِهِ) بَعْدَ مَوْتِهِ لَا أَنَّهُ يَمْلِكُهُ فِي الْحَالِ وَالِاسْتِخْلَافُ يَصْلُحُ لَهُ الْجَنِينُ إرْثًا فَكَذَا وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُمَا أُخْتَانِ. فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَتَا أُخْتَيْنِ لَمَا جَازَ رَدُّهَا كَمَا لَمْ يَجُزْ رَدُّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute