صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ عُرِفَ وُجُوبُهَا دُونَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ لِلِاتِّفَاقِ عَلَى وُجُوبِهَا بِالْقُرْآنِ وَالِاخْتِلَافِ فِي الْأُضْحِيَّةَ، وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ.
قَالَ (وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي) لِمَا بَيَّنَّا وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ. قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقْسَمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، فَمَا أَصَابَ الْقُرَبَ صُرِفَ إلَيْهَا عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ الْقُرَبِ وَلَا يُجْعَلُ الْجَمِيعُ كَوَصِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بِجَمِيعِهَا رِضًا لِلَّهِ تَعَالَى فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودٌ فَتَنْفَرِدُ كَمَا تَنْفَرِدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ يَحُجُّ رَاكِبًا) لِأَنَّ الْوَاجِبَ لِلَّهِ تَعَالَى الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ وَالْوَصِيَّةُ لِأَدَاءِ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قَالَ رَاكِبًا لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ. قَالَ (فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ الْوَصِيَّةُ النَّفَقَةَ أَحَجُّوا عَنْهُ حَيْثُ تَبْلُغُ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَحُجُّ عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَمَرَ بِالْحَجَّةِ عَلَى صِفَةٍ عَدِمْنَاهَا فِيهِ، غَيْرَ أَنَّا جَوَّزْنَاهُ لِأَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ تَنْفِيذَ الْوَصِيَّةِ فَيَجِبُ تَنْفِيذُهَا مَا أَمْكَنَ وَالْمُمْكِنُ فِيهِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِهَا رَأْسًا، وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا فَمَاتَ
صَدَقَةِ الْفِطْرِ) تَرَكَ كَفَّارَةَ الْإِفْطَارِ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُقَدَّمَةً عَلَى صَدَقَةِ الْفِطْرِ؛ لِثُبُوتِهَا بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَثُبُوتِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ بِآثَارٍ مُسْتَفِيضَةٍ. وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا الْقِيَاسِ يُقَدَّمُ بَعْضُ الْوَاجِبَاتِ عَلَى الْبَعْضِ) فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ تَقَدُّمَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى النَّذْرِ لِكَوْنِهَا وَاجِبَةً بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَالنَّذْرُ وَاجِبٌ بِإِيجَابِ الْعَبْدِ، وَالنُّذُورُ تُقَدَّمُ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ؛ لِوُقُوعِ الِاخْتِلَافِ فِي وُجُوبِهَا دُونَ وُجُوبِ النُّذُورِ.
(وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ قُدِّمَ مِنْهُ مَا قَدَّمَهُ الْمُوصِي لِمَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَهَمِّ وَصَارَ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِذَلِكَ وَقَالَ «ابْدَءُوا بِمَا بَدَأْت بِهِ»، وَلَوْ قَالَ كَذَلِكَ لَزِمَ تَقْدِيمُ مَا قَدَّمَ فَكَذَا هَذَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُبْدَأُ بِالْأَفْضَلِ فَالْأَفْضَلِ يُبْدَأُ بِالصَّدَقَةِ ثُمَّ بِالْحَجِّ ثُمَّ بِالْعِتْقِ مَثَلًا سَوَاءٌ رَتَّبَ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ أَوْ لَمْ يُرَتِّبْ، وَمَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا قَالُوا: إنَّ الثُّلُثَ يُقَسَّمُ عَلَى جَمِيعِ الْوَصَايَا مَا كَانَ لِلَّهِ وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ، وَتُجْعَلُ كُلَّ جِهَةٍ مِنْ جِهَاتِ الْقُرْبَةِ مُفْرَدَةً بِالضَّرْبِ وَيُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهَا، فَإِذَا قَالَ ثُلُثُ مَالِي فِي الْحَجِّ وَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِزَيْدٍ يُقْسَمُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِجَمِيعِهَا وَإِنْ كَانَ مُتَّحِدًا وَهُوَ رِضَا اللَّهِ فَكُلُّ وَاحِدَةٍ فِي نَفْسِهَا مَقْصُودَةٌ فَتُفْرَدُ كَمَا تُفْرَدُ وَصَايَا الْآدَمِيِّينَ فَإِنَّ الْجَمِيعَ مِنْهَا، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ الْقُرْبَةَ إذَا أَوْصَى لِلْفُقَرَاءِ، وَالْمَسَاكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ لَكِنْ يُجْعَلُ لِكُلِّ جِهَةٍ سَهْمٌ عَلَى حِدَةٍ فَكَذَا هَذَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا مِنْ بَلَدِهِ) كَلَامُهُ وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَقَدْ فَرَّقْنَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ بِالْعِتْقِ مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي عَلَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ بِقَوْلِهِ: وَلَهُ أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِعِتْقِ عَبْدٍ يُشْتَرَى بِمِائَةٍ إلَخْ.
(بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ)
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ خَرَجَ مِنْ بَلَدِهِ حَاجًّا) قَيَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ لِلتِّجَارَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute