فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ اسْتِحْسَانًا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ. لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً وَسَقَطَ فَرْضُ قَطْعِ الْمَسَافَةِ بِقَدْرِهِ وَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَيَبْتَدِئُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ كَأَنَّهُ مِنْ أَهْلِهِ، بِخِلَافِ سَفَرِ التِّجَارَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ قُرْبَةً فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ. وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْصَرِفُ إلَى الْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ عَلَى مَا قَرَرْنَاهُ أَدَاءً لِلْوَاجِبِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
يُحَجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ بِالِاتِّفَاقِ وَسَيَذْكُرُهُ بُعَيْدَ هَذَا. قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ لَهُ وَطَنٌ، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَجَهَّزَ بِنَفْسِهِ لَتَجَهَّزَ مِنْ حَيْثُ هُوَ، فَكَذَلِكَ إذَا أَوْصَى. وَقَوْلُهُ (لَهُمَا أَنَّ السَّفَرَ بِنِيَّةِ الْحَجِّ وَقَعَ قُرْبَةً إلَخْ) مَدْفُوعٌ بِقَوْلِهِ ﷺ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ إلَّا ثَلَاثَةً» فَإِنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَجِّ لَيْسَ مِنْهُ. وَرُدَّ بِأَنَّ الْمُكَفِّرَ إذَا أَطْعَمَ بَعْضَ الْمَسَاكِينِ وَمَاتَ فَأَوْصَى وَجَبَ الْإِكْمَالُ بِمَا بَقِيَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَمْ يَنْقَطِعْ مَا أَطْعَمَهُ بِالْمَوْتِ، ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ، فَمَا هُوَ جَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَوَابُنَا عَنْ الْحَجِّ.
وَأُجِيبَ بِالْفَرْقِ بِأَنَّ سَفَرَ الْحَجِّ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الْآمِرِ، بِدَلِيلِ أَنَّ الْأَوَّلَ إذَا بَدَا لَهُ فِي الطَّرِيقِ أَنْ لَا يَحُجَّ بِنَفْسِهِ بَعْدَمَا مَشَى بَعْضَ الطَّرِيقِ وَفَوَّضَ الْأَمْرَ إلَى غَيْرِهِ بِرِضَا الْوَصِيِّ لَمْ يَجُزْ وَلَزِمَهُ رَدُّ مَا أَنْفَقَهُ، وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فَإِنَّهُ يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ، حَتَّى أَنَّ الْمَأْمُورَ بِالْإِطْعَامِ إذَا أَطْعَمَ الْبَعْضَ ثُمَّ تَرَكَ الْبَعْضَ وَأَمَرَ بِهِ غَيْرَهُ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ، كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَهَذَا لَيْسَ بِدَافِعٍ؛ لِأَنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ الْمُتَجَزِّئِ وَغَيْرِهِ فِي الِانْقِطَاعِ، إلَّا أَنْ يُقَالَ: التَّجْزِيءَ فِي الْإِطْعَامِ مُسْتَنِدٌ إلَى الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ التَّتَابُعُ أَصْلًا، حَتَّى لَوْ جَامَعَ فِي خِلَالِ الْإِطْعَامِ مَثَلًا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا سَبَقَ، وَالْكِتَابُ أَقْوَى وَإِنْ كَانَ دَلَالَةً فَعَمِلَ بِهِ وَالْحَجُّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الْحَدِيثِ فَعَمِلَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (عَلَى مَا قَرَّرْنَاهُ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُ قُبَيْلَ هَذَا: وَمَنْ أَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ أَحَجُّوا عَنْهُ رَجُلًا إلَخْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute