الْقَرِيبُ رَقِيقًا أَوْ كَافِرًا، وَكَذَا إذَا أَوْصَى لِذَوِي قَرَابَتِهِ أَوْ لِأَقْرِبَائِهِ أَوْ لِأَنْسِبَائِهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا، لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ لَفْظُ جَمْعٍ، وَلَوْ انْعَدَمَ الْمَحْرَمُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّهَا مُقَيَّدَةٌ بِهَذَا الْوَصْفِ. قَالَ: وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: يَتَنَاوَلُ كُلَّ مَنْ يَعُولُهُمْ وَتَضُمُّهُمْ نَفَقَتُهُ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ وَهُوَ مُؤَيَّدٌ بِالنَّصِّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ وَلَهُ أَنَّ اسْمَ الْأَهْلِ حَقِيقَةٌ فِي الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا، وَالْمُطْلَقُ يَنْصَرِفُ إلَى الْحَقِيقَةِ. قَالَ: وَلَوْ أَوْصَى لِآلِ فُلَانٍ فَهُوَ لِأَهْلِ بَيْتِهِ لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ بَيْتِ فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ أَبُوهُ وَجَدُّهُ لِأَنَّ الْأَبَ أَصْلُ الْبَيْتِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَهْلِ نَسَبِهِ أَوْ لِجِنْسِهِ فَالنَّسَبُ عِبَارَةٌ عَمَّنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ، وَالنَّسَبُ يَكُونُ مِنْ جِهَةِ الْآبَاءِ، وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ، بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ تَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأُمِّ وَالْأَبِ، وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ بَنِي فُلَانٍ أَوْ لِعُمْيَانِهِمْ أَوْ لِزَمْنَاهُمْ أَوْ لِأَرَامِلِهِمْ إنْ كَانُوا قَوْمًا يُحْصَوْنَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فُقَرَاؤُهُمْ وَأَغْنِيَاؤُهُمْ
الْأَخْوَالِ بِسَبَبِهَا فَلَمْ تَكُنْ قَرَابَتُهَا أَقْرَبَ. وَوَجْهُهُ أَنَّهَا مُسْتَحِقَّةٌ لِلْوَصِيَّةِ وَمُسَاوِيَةٌ لِلْعَمِّ فِي الدَّرَجَةِ، وَعَدَمُ اسْتِحْقَاقِهَا الْعُصُوبَةَ وَصْفٌ قَامَ بِهَا وَهُوَ الْأُنُوثَةُ لَا يُخْرِجُهَا عَنْ مُسَاوَاتِهَا الْعَمَّ فِي اسْتِحْقَاقِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ كَالْعَمِّ الرَّقِيقِ أَوْ الْكَافِرِ لِمَا أَنَّ حِرْمَانَ الْمِيرَاثِ لِوَصْفٍ قَامَ بِهِ لَا لِضَعْفٍ فِي الْقَرَابَةِ. وَقَوْلُهُ (لِأَنْسِبَائِهِ) الْأَنْسِبَاءُ جَمْعُ النَّسِيبِ وَهُوَ الْقَرِيبُ كَالْأَنْصِبَاءِ فِي جَمْعِ النَّصِيبِ. وَقَوْلُهُ (فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا) يَعْنِي مِنْ الْقُيُودِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَهْلِ فُلَانٍ فَهِيَ عَلَى زَوْجَتِهِ) الْوَصِيَّةُ لِأَهْلِ فُلَانٍ تَنْصَرِفُ إلَى الزَّوْجَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَإِلَى كُلِّ مَنْ يَضُمُّ نَفَقَةَ فُلَانٍ مِنْ الْأَحْرَارِ عِنْدَهُمَا اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ الْمُؤَيَّدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ فَإِنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الزَّوْجَ خَاصَّةً، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى ﴿فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ﴾ وَلَهُ أَنَّ الْأَهْلَ فِي الزَّوْجَةِ حَقِيقَةً يَشْهَدُ بِذَلِكَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ فَلَا يُصَارُ إلَى غَيْرِهَا مَعَ إمْكَانِ الْعَمَلِ بِهَا. قِيلَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ خَاطَبَ بِلَفْظِ الْجَمْعِ بِقَوْلِهِ ﴿امْكُثُوا﴾ " وَالْمَرْأَةُ لَا تُخَاطَبُ بِذَلِكَ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ مِنْ أَقَارِبِهِ، أَوْ أَقَارِبِهَا مِمَّنْ ضَمَّتْهُمْ نَفَقَتُهُ؛ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الْأَرِقَّاءِ أَحَدٌ لَمْ يَدْخُلْ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ. عَلَى أَنَّ الْحَقَائِقَ لَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ طَرِيقَ مَعْرِفَتِهَا السَّمَاعُ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ، وَإِنَّمَا اُسْتُشْهِدَ بِالْآيَةِ تَأْنِيسًا. فَإِنْ ثَبَتَ أَنَّ مَا فِي لَيْسَ عَلَى مَعْنَى الْحَقِيقَةِ لَا يُنَافِي مَطْلُوبَهُ كَالْآيَاتِ الَّتِي اسْتَدَلَّا بِهَا، وَقَوْلُهُ فُلَانٌ تَأَهَّلَ بِبَلْدَةِ كَذَا هُوَ الْمَسْمُوعُ الدَّالُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ؛ لِتَبَادُرِ الْفَهْمِ إلَيْهِ.
وَقَوْلُهُ (؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ) فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ بْنُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَانَ مِنْ جِنْسِ قُرَيْشٍ، وَأَوْلَادُ الْخُلَفَاءِ صَلَحُوا لِلْخِلَافَةِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْإِمَاءِ؛ فَعُلِمَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي هَذَا اللَّفْظِ دُونَ عَشِيرَةِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى لِأَيْتَامِ فُلَانٍ) الْيَتِيمُ اسْمُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute