(وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ آذَنَ ذَلِكَ بِأَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلَ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ. وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ وَلَهُ مَوَالٍ أَعْتَقَهُمْ وَمَوَالٍ أَعْتَقُوهُ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: إنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ جَمِيعًا، وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ أَنَّهُ يُوقَفُ حَتَّى يُصَالِحُوا. لَهُ أَنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ يُسَمَّى مَوْلًى فَصَارَ كَالْإِخْوَةِ. وَلَنَا أَنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا يُسَمَّى مَوْلَى النِّعْمَةِ وَالْآخَرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ، بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِي فِيهِ، وَيَدْخُلُ فِي هَذِهِ الْوَصِيَّةِ مَنْ أَعْتَقَهُ فِي الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ، وَلَا يَدْخُلُ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ لِأَنَّ عِتْقَ هَؤُلَاءِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ.
وَبَنَاتِهِ قَدْ تَخْلُو عَنْ الْأَوْلَادِ فَلَا تَكُونُ مُرَادَةً.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ) وَاضِحٌ. وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِمَوَالِيهِ) مَبْنَاهُ عَلَى جَوَازِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ وَعَدَمِ جَوَازِهِ، وَالشَّافِعِيُّ يُجِيزُ ذَلِكَ فَأَجَازَ هَذَا، وَأَصْحَابُنَا مَا جَوَّزُوهُ وَكَذَلِكَ هَذَا، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ الشَّافِعِيِّ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، لَكِنْ لَا عَلَى جَوَازِ عُمُومِ الْمُشْتَرَكِ بَلْ عَلَى أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلِ مُتَوَاطِئٍ كَالْإِخْوَةِ عَلَى بَنِي الْأَعْيَانِ وَبَنِي الْعِلَّاتِ وَبَنِي الْأَخْيَافِ، وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِخْوَةِ فِي الْجَمِيعِ وَاحِدٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ صُلْبِ الْأَبِ أَوْ الرَّحِمِ عَلَيْهِمْ، وَمَعْنَى الْمَوْلَى لَيْسَ كَذَلِكَ؛ فَإِنَّ مَعْنَى الْأَعْلَى مُنْعِمٌ وَمَعْنَى الْأَسْفَلِ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ، فَكَانَ فِي أَحَدِهِمَا بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَفِي الْآخَرِ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ إنَّ الْجِهَةَ مُخْتَلِفَةٌ.
وَقَوْلُهُ (فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ) احْتِرَازٌ عَنْ صُورَةِ النَّفْيِ كَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا، عَلَى أَنْ لَا عُمُومَ لِلْمُشْتَرَكِ لَا فِي النَّفْيِ وَلَا فِي الْإِثْبَاتِ. وَأَجَابُوا عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَلِفِ بِتَرْكِ الْكَلَامِ مَعَ الْمَوْلَى مُطْلَقًا لَيْسَ لِوُقُوعِهِ فِي النَّفْيِ بَلْ الْحَامِلُ عَلَى الْيَمِينِ بُغْضُهُ وَهُوَ غَيْرُهُ مُخْتَلِفٌ فَيَصِيرُ بِذَلِكَ الْمَعْنَى كَالشَّيْءِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَأْيِيدِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: سَلَّمْنَا أَنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ لَكِنَّ حُكْمَهُ التَّوَقُّفُ فَكَيْفَ قَالَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا مَاتَ الْمُوصِي قَبْلَ الْبَيَانِ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِهِ لَا يُفِيدُ. فَإِنْ قِيلَ: التَّرْجِيحُ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى مُمْكِنٌ وَهُوَ أَنْ تُصْرَفَ الْوَصِيَّةُ إلَى الْمَوْلَى الَّذِي أَعْتَقَهُ؛ لِأَنَّ شُكْرَ الْمُنْعِمِ وَاجِبٌ وَأَمَّا فَضْلُ الْإِنْعَامِ فِي حَقِّ الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ فَمَنْدُوبٌ، وَالصَّرْفُ إلَى الْوَاجِبِ أَوْلَى مِنْهُ إلَى الْمَنْدُوبِ كَمَا هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ بِهَذَا الْمَعْنَى. أُجِيبَ بِأَنَّهَا مُعَارَضَةٌ بِجِهَةٍ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّ الْعُرْفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute