للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ يَمْلِكُهَا تَبَعًا لَمِلْكِ الرَّقَبَةِ، أَوْ لِمَنْ يَمْلِكُهَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا، أَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهُ مَعْنًى وَهَذَا لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ أَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ الْكُوفَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِ الْكُوفَةِ فَيُخْرِجُهُ إلَى أَهْلِهِ لِلْخِدْمَةِ هُنَالِكَ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي، فَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَتِهِ فِيهِ بِدُونِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ، وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يَحْمِلَ الْعَبْدَ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ.

وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ يَجُوزُ أَيْضًا لِأَنَّهُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَ حُكْمَ الْمَنْفَعَةِ فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِهِ، كَيْفَ وَأَنَّهُ عَيْنٌ حَقِيقَةً لِأَنَّهُ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ فَكَانَ بِالْجَوَازِ أَوْلَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ، فَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَلِلشَّرِيكِ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ لِلْمُوصَى لَهُ، إلَّا أَنْ نَقُولَ: الْمُطَالَبَةُ بِالْقِسْمَةِ تُبْتَنَى عَلَى ثُبُوتِ الْحَقِّ لِلْمُوصَى لَهُ فِيمَا يُلَاقِيهِ الْقِسْمَةُ إذْ هُوَ الْمُطَالِبُ، وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ فَلَا يَمْلِكُ الْمُطَالَبَةَ بِقِسْمَةِ الدَّارِ، وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَلِآخَرَ بِرَقَبَتِهِ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّقَبَةُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ وَالْخِدْمَةُ عَلَيْهَا لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ، لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا عَطْفًا مِنْهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَالَةُ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ.

وَقَوْلُهُ (وَهَذَا لَا يَجُوزُ) يَعْنِي بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَهُوَ ظَاهِرٌ. وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِإِجَارَةِ الْحُرِّ نَفْسَهُ فَإِنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ تَبَعًا لِمِلْكِ رَقَبَتِهِ لَا بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا بِبَدَلٍ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ فِي الْوَصِيَّةِ، فَمُرَادُهُ بِالْمَنْفَعَةِ مَنْفَعَةٌ تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَمَنْفَعَةُ الْحُرِّ لَيْسَتْ كَذَلِكَ فَلَا يَكُونُ وَارِدًا عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا لَمْ يَخْرُجْ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْإِخْرَاجُ إلَى أَهْلِهِ إلَّا بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ.

وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانُوا فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ مِصْرِ الْمُوصِي.

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ بِغَلَّةِ دَارِهِ) قَدْ عُلِمَ جَوَازُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنْ طَرِيقَيْنِ وَلَعَلَّهُ ذَكَرَهُ تَمْهِيدًا لِقَوْلِهِ (وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ) يَعْنِي إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً، وَتَذْكِيرُ الضَّمَائِرِ إمَّا بِتَأْوِيلِ الْمَالِ أَوْ نَظَرًا إلَى الْخَبَرِ.

وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالٍ تَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ) وَكُلُّ مَا هُوَ كَذَلِكَ تُعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِهِ إنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْخِدْمَةِ؛ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَمَّا لَمْ يَحْتَمِلْ الْقِسْمَةَ بِالْأَجْزَاءِ صِرْنَا إلَى قِسْمَةِ اسْتِيفَاءِ الْخِدْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ إلَى مَا يُسْتَوْفَى خِدْمَتُهُ سَنَةً كَامِلَةً كَمَا مَرَّ ذِكْرُهُ. وَقَوْلُهُ (وَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ (عَطْفًا مِنْهُ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ) وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَطَفَ قَوْلَهُ، وَالْآخَرُ بِرَقَبَتِهِ عَلَى قَوْلِهِ أَوْصَى لَهُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ (فَتُعْتَبَرُ هَذِهِ الْحَالَةُ) يُرِيدُ حَالَةَ الْعَطْفِ (بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ) أَيْ بِحَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>