وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَمَنَعُوا عَنْهُ. قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي مِنْ غَيْرِ مَرْضَاتِهِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
(وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ. وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ فَاسْتَخْدَمَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ سَكَنَهَا بِنَفْسِهِ قِيلَ يَجُوزُ ذَلِكَ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمَنَافِعِ كَعَيْنِهَا فِي تَحْصِيلِ الْمَقْصُودِ. وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغَلَّةَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَقَدْ وَجَبَتْ الْوَصِيَّةُ بِهَا، وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنَافِعِ وَهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَمُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِالِاسْتِرْدَادِ مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا وَلَا يُمْكِنُهُمْ مِنْ الْمَنَافِعِ بَعْدَ اسْتِيفَائِهَا بِعَيْنِهَا، وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَاجِرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالْوَصِيَّةِ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا مِنْ غَيْرِهِ بِبَدَلٍ أَوْ غَيْرِ بَدَلٍ لِأَنَّهَا كَالْأَعْيَانِ عِنْدَهُ، بِخِلَافِ الْعَارِيَّةِ لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ عَلَى أَصْلِهِ وَلَيْسَ بِتَمْلِيكٍ وَلَنَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ مُضَافٍ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهُ بِبَدَلٍ اعْتِبَارًا بِالْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ عَلَى أَصْلِنَا، وَلَا يَمْلِكُ الْمُسْتَعِيرُ الْإِجَارَةَ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ بِبَدَلٍ، كَذَا هَذَا.
وَتَحْقِيقُهُ أَنَّ التَّمْلِيكَ بِبَدَلٍ لَازِمٌ وَبِغَيْرِ بَدَلٍ غَيْرُ لَازِمٍ، وَلَا يَمْلِكُ الْأَقْوَى بِالْأَضْعَفِ وَالْأَكْثَرَ بِالْأَقَلِّ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ غَيْرُ لَازِمٍ إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِغَيْرِهِ وَالْمُتَبَرِّعُ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يُمْكِنُهُ الرُّجُوعُ فَلِهَذَا انْقَطَعَ، أَمَّا هُوَ فِي وَضْعِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ، وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ،
الْحُكْمُ عَلَى خِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ سَنَةً فَإِنَّ لَهُ ثُلُثَ غَلَّةِ تِلْكَ السَّنَةِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ قَالَ (فَإِنْ كَانَ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ إلَى الْوَرَثَةِ) إذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ عَادَ الْمُوصَى بِهِ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ، فَلَوْ انْتَقَلَ الْحُكْمُ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا (ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمِيرَاثَ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُورَثُ، وَذَلِكَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى، لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَحِقَّهَا لِذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِهِ، وَاسْتِحْقَاقُ الْمِلْكِ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةِ الْمَالِكِ لَا يَجُوزُ.
وَلَوْ مَاتَ الْمُوصَى لَهُ (فِي حَيَاةِ الْمُوصِي بَطَلَتْ) الْوَصِيَّةُ (لِأَنَّ إيجَابَهَا تَعَلَّقَ بِالْمَوْتِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ) أَيْ فِي فَصْلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْوَصِيَّةِ فِي بَيَانِ الْفَرْقِ بَيْنَ جَوَازِ الْإِقْرَارِ وَبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِقَوْلِهِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ؛ لِأَنَّهَا إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ (وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ عَبْدِهِ أَوْ دَارِهِ) فَاسْتَخْدَمَ الْعَبْدَ الْمُوصِي بِغَلَّتِهِ الْمُوصَى لَهُ بِنَفْسِهِ أَوْ سَكَنَ الدَّارَ الْمُوصِي بِغَلَّتِهَا بِنَفْسِهِ. اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي ذَلِكَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ.
وَقَوْلُهُ (وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ) وَاضِحٌ سِوَى أَلْفَاظٍ نَذْكُرُهَا (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْإِعَارَةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ بِغَيْرِ بَدَلٍ) قَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعَارِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ هَذَا الْمَعْنَى رَاجِعٌ إلَى الْأَصْلِ الْمُقَرَّرِ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّ الرُّجُوعَ لِلْمُتَبَرِّعِ لَا لِغَيْرِهِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ لَازِمَةٍ ابْتِدَاءً لَكِنَّهَا تَصِيرُ لَازِمَةً بَعْدَ الْمَوْتِ لِعَدَمِ قَبُولِهَا الرُّجُوعَ حِينَئِذٍ. وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ لِلْمَوْضُوعَاتِ الْأَصْلِيَّةِ، وَالْوَصِيَّةُ فِي وَضْعِهَا غَيْرُ لَازِمَةٍ، وَانْقِطَاعُ الرُّجُوعِ بِمَوْتِ الْمُوصِي مِنْ الْعَوَارِضِ فَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ. وَقَوْلُهُ (وَلِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ) دَلِيلٌ آخَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute