لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ، مِثْلُ التَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ وَالْمَعْدُومُ مَذْكُورٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا، أَمَّا الْغَلَّةُ فَتَنْتَظِمُ الْمَوْجُودَ وَمَا يَكُونُ بِعَرَضِ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا، يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ وَدَارِهِ، فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا عُرْفًا غَيْرَ مَوْقُوفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى. أَمَّا الثَّمَرَةُ إذَا أُطْلِقَتْ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الِانْصِرَافُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصِي سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ) لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ. وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ لِأَنَّهُ لَا يَقْبَلُ الْمِلْكَ، إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ وَالْإِجَارَةِ، فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ. أَمَّا الْوَلَدُ الْمَعْدُومُ وَأُخْتَاهُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا، وَلَا تُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا، فَكَذَلِكَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ، بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا، فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ ..
كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ؛ فَإِنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ مَوْجُودَةً قَبْلَ الْمَوْتِ تَنَاوَلَهَا، وَإِلَّا فَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَقَعُ عَلَى الْحَادِثِ إلَى أَنْ يَمُوتَ الْمُوصَى لَهُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّ الثَّمَرَةَ فِي الْمَوْجُودِ حَقِيقَةً وَلَيْسَتْ بِمَوْجُودَةٍ فَتَبْطُلُ. وَوَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ حَمْلُهُ عَلَى الْمَجَازِ عِنْدَ انْتِفَاءِ الْحَقِيقَةِ صَوْنًا لِكَلَامِ الْمُوصِي عَنْ الْإِلْغَاءِ، وَالْمُصَنِّفُ حَمَلَ الْفَرْقَ بَيْنَ الثَّمَرَةِ وَالْغَلَّةِ عَلَى الْعُرْفِ فِيهِمَا، ثُمَّ السَّقْيُ وَالْخَرَاجُ وَمَا فِيهِ صَلَاحُ الْبُسْتَانِ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِالْبُسْتَانِ فَصَارَ كَالنَّفَقَةِ فِي فَصْلِ الْخِدْمَةِ.
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِصُوفِ غَنَمِهِ أَبَدًا) إلَى آخِرِ الْبَابِ وَاضِحٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ الْمُصَنِّفِ مَا أَجْزَلَ تَرْكِيبَهُ وَأَحْسَنَ تَرْتِيبَهُ لَا يَرَى مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي يَحْتَاجُ إلَى تَقْرِيرٍ إلَّا وَتَرْكِيبُهُ أَوْفَى تَأْدِيَةً لَهُ مِنْ غَيْرِهِ. وَقَوْلُهُ (وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ) صُورَتُهُ أَنْ نَقُولَ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي صَحَّ وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَطْنِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ فَلِلْمَرْأَةِ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ مُتَقَوِّمًا وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ يَضُرَّهُ، حَتَّى لَوْ قَالَتْ عَلَى حَمْلِ جَارِيَتِي وَلَيْسَ لَهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute