(مَسَائِلُ شَتَّى)
قَالَ (وَإِذَا قُرِئَ عَلَى الْأَخْرَسِ كِتَابُ وَصِيَّتِهِ فَقِيلَ لَهُ أَنَشْهَدُ عَلَيْك بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ فَأَوْمَأَ بِرَأْسِهِ: أَيْ نَعَمْ أَوْ كَتَبَ، فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّ الْمُجَوِّزَ إنَّمَا هُوَ الْعَجْزُ وَقَدْ شَمِلَ الْفَصْلَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ كَالْوَحْشِيِّ وَالْمُتَوَحِّشِ مِنْ الْأَهْلِيِّ فِي حَقِّ الذَّكَاةِ، وَالْفَرْقُ لِأَصْحَابِنَا ﵏ أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تُعْتَبَرُ إذَا صَارَتْ مَعْهُودَةً مَعْلُومَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ الْمُعْتَقَلِ لِسَانُهُ. حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَاتٌ مَعْلُومَةٌ قَالُوا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ، وَلِأَنَّ التَّفْرِيطَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهِ حَيْثُ أَخَّرَ الْوَصِيَّةَ إلَى هَذَا الْوَقْتِ، أَمَّا الْأَخْرَسُ فَلَا تَفْرِيطَ مِنْهُ، وَلِأَنَّ الْعَارِضِيَّ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ دُونَ الْأَصْلِيِّ فَلَا يَنْقَاسَانِ، وَفِي الْآبِدَةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ.
مَسَائِلُ شَتَّى) قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا أَنَّ ذِكْرَ مَسَائِلَ شَتَّى أَوْ مَسَائِلَ مَنْثُورَةٍ أَوْ مَسَائِلَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ دَأْبِ الْمُصَنِّفِينَ لِتَدَارُكِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا كَانَ يَحِقُّ ذِكْرُهُ فِيهِ. قَوْلُهُ (فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُعْرَفُ أَنَّهُ إقْرَارٌ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ مَا يَجِيءُ مِنْ الْأَخْرَسِ وَمُعْتَقَلِ اللِّسَانِ عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدِهِمَا: مَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْهُ دَلَالَةَ الْإِنْكَارِ مِثْلَ أَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ عَرْضًا. وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ مِنْهُ دَلَالَةُ الْإِقْرَارِ بِأَنْ يُحَرِّكَ رَأْسَهُ طُولًا إذَا كَانَ مِنْهُ مَعْهُودًا فِي نَعَمْ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِي الَّذِي يُعْتَقَلُ لِسَانُهُ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ يُقَالُ اُعْتُقِلَ لِسَانُهُ بِضَمِّ التَّاءِ: إذَا حُبِسَ عَنْ الْكَلَامِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ (حَتَّى لَوْ امْتَدَّ) أَرَادَ بِهِ سَنَةً كَذَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ: إنْ دَامَتْ الْعُقْلَةُ إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ، وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنَى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ.
قَالُوا: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَقَوْلُهُ (وَفِي الْآبِدَةِ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ) وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ «أَنَّ بَعِيرًا مِنْ إبِلِ الصَّدَقَاتِ نَدَّ فَرَمَاهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute