إذَا كَانَ الشَّكُّ فِي وُجُوبِ الْمَالِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فِيهِ بِالْمُتَيَقَّنِ، كَذَا هَذَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ الْأَقَلَّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَهُوَ أَنْ تَكُونَ الْوَرَثَةُ زَوْجًا، وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى أَوْ امْرَأَةً وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى. فَعِنْدَنَا فِي الْأُولَى لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى، وَفِي الثَّانِيَةِ لِلْمَرْأَةِ الرُّبْعُ وَلِلْأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ الثُّلُثُ وَالْبَاقِي لِلْخُنْثَى لِأَنَّهُ أَقَلُّ النَّصِيبَيْنِ فِيهِمَا.
هُوَ فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِقْدَارِ، وَسَبَبُهُ الذُّكُورَةُ أَوْ الْأُنُوثَةُ، وَلَا شَيْءَ مِنْهُمَا بِمُتَيَقَّنٍ بِهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ. وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ الْأَقَلُّ لَوْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مِيرَاثُ الْأُنْثَى مُتَيَقَّنٌ بِهِ: يَعْنِي أَوْجَبْنَا لِلْخُنْثَى مِيرَاثَ الْأُنْثَى الْمُتَيَقَّنِ، وَمَا تَجَاوَزْنَا عَنْهُ إلَى نَصِيبِ الذَّكَرِ؛ لِأَنَّ الْمَالَ ابْتِدَاءً لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ إلَّا أَنْ يُصِيبَ الْخُنْثَى أَقَلَّ مِنْ نَصِيبِ الْأُنْثَى إنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا فَحِينَئِذٍ يُعْطَى نَصِيبَ الِابْنِ فِي تِلْكَ الصُّورَةِ لِكَوْنِهِ مُتَيَقَّنًا بِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ زَوْجًا وَأُمًّا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى؛ فَإِنْ قَدَّرْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُمِّ الثُّلُثُ وَلِلْخُنْثَى النِّصْفُ وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ وَتَعُولُ إلَى ثَمَانِيَةٍ، وَإِنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا كَانَ لَهُ الْبَاقِيَ بَعْدَ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَثُلُثُ الْأُمِّ وَهُوَ السُّدُسُ وَهُوَ أَقَلُّ فَقَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا، وَإِذَا تَرَكَ امْرَأَةً وَأَخَوَيْنِ لِأُمٍّ وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ هِيَ خُنْثَى، لِلْمَرْأَةِ الرُّبُعُ وَلِبَنِي الْأَخْيَافِ الثُّلُثُ، فَإِنْ قَدَّرْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى تَرِثُ النِّصْفَ تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَتَعُولُ إلَى ثَلَاثَةَ عَشَرَ لَهَا سِتَّةٌ مِنْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ، وَإِنْ قَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا كَانَ لَهُ خَمْسَةٌ مِنْ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ أَقَلُّ فَقَدَّرْنَاهُ ذَكَرًا، وَلَوْ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَأُخْتًا لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُنْثَى لِأَبٍ كَانَ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ النِّصْفُ وَلَا شَيْءَ لِلْخُنْثَى، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ أَقَلُّ لِنَصِيبَيْنِ أَسْوَأُ الْحَالَيْنِ وَهُوَ مَذْهَبُ عَامَّةِ الصَّحَابَةِ. فَإِنْ قِيلَ: إذَا كَانَ الْخُنْثَى مِمَّنْ يُتَوَهَّمُ اسْتِبَانَةُ أَمْرِهِ فِي الْمَآلِ كَيْفَ يَكُونُ حَالُهُ فِي الْمِيرَاثِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ. قُلْت: كَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى ذَلِكَ فِي أَوَّلِ الْبَحْثِ بِقَوْلِهِ وَهُوَ أُنْثَى عِنْدَهُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ غَيْرُ ذَلِكَ، يُشِيرُ إلَى أَنَّ الثُّلُثَيْنِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ تُدْفَعُ إلَى الِابْنِ وَالثُّلُثُ إلَى الْخُنْثَى، وَعَلَى ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ؛ لِأَنَّ سَبَبَ اسْتِحْقَاقِ الِابْنِ لِجَمِيعِ الْمَالِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ، وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ مِنْ ذَلِكَ لِمُزَاحَمَةِ حَقِّ الْغَيْرِ، وَحَيْثُ جَعَلْنَا الْخُنْثَى أُنْثَى مَا زَحَمَهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ مُسْتَحَقًّا لَهُ، وَهَلْ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْكَفِيلُ؟ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا دَفَعَ الْمَالَ إلَى الْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ لَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ كَفِيلًا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. وَعِنْدَهُمَا يُحْتَاطُ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: يُحْتَاطُ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ مِنْهُ هَاهُنَا عِنْدَهُمْ جَمِيعًا، وَإِنَّمَا لَمْ يُجَوِّزْ أَبُو حَنِيفَةَ هُنَاكَ لِلْمَجْهُولِ، وَهُنَا إنَّمَا يَأْخُذُ الْكَفِيلُ لِلْمَعْلُومِ وَهُوَ طَرِيقٌ مُسْتَقِيمٌ يَصُونُ بِهِ الْقَاضِي قَضَاءَهُ وَيَنْظُرُ لِمَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ النَّظَرِ لِنَفْسِهِ وَهُوَ الْخُنْثَى فَيَأْخُذُ مِنْ الِابْنِ كَفِيلًا لِذَلِكَ؛ فَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْخُنْثَى ذَكَرٌ اسْتَرَدَّ ذَلِكَ مِنْ أَخِيهِ، وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أُنْثَى فَالْمَقْبُوضُ سَالِمٌ لِلِابْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ يَدْفَعُ الثُّلُثَ إلَى الْخُنْثَى وَالنِّصْفَ إلَى الِابْنِ وَيُوقَفُ السُّدُسُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ لِهَذَا السُّدُسِ مِنْهُمَا مَجْهُولٌ فَيُوقَفُ إلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ الْمُسْتَحِقُّ كَمَا فِي الْحَمْلِ وَالْمَفْقُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute