سَيْرَ الْإِبِلِ وَمَشْيَ الْأَقْدَامِ لِقَوْلِهِ ﵊ «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ كَمَالَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا» عَمَّ بِالرُّخْصَةِ الْجِنْسَ. وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ وَقَدَّرَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ
فَإِنْ قِيلَ: الْإِقَامَةُ تَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ فَمَا بَالُ السَّفَرِ وَهُوَ ضِدُّهُ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ. أُجِيبَ بِأَنَّ السَّفَرَ فِعْلٌ، وَمُجَرَّدُ الْقَصْدِ لَا يَكْفِي فِيهِ، وَالْإِقَامَةُ تَرْكٌ وَهُوَ يَحْصُلُ بِمُجَرَّدِهَا، وَسَيَجِيءُ نَظِيرُهُ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فِي الْعَبْدِ لِلْخِدْمَةِ يَنْوِي أَنْ يَكُونَ لِلتِّجَارَةِ وَعَكْسِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالْأَحْكَامُ الَّتِي تَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ هِيَ قَصْرُ الصَّلَاةِ وَإِبَاحَةُ الْفِطْرِ وَامْتِدَادُ مُدَّةِ الْمَسْحِ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَسُقُوطُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَحُرْمَةُ الْخُرُوجِ عَلَى الْحُرَّةِ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ فَإِنْ قِيلَ: فَكَمَا أَنَّ الْقَصْدَ لَا بُدَّ مِنْهُ لِلتَّغْيِيرِ فَكَذَلِكَ مُجَاوَزَةُ بُيُوتِ الْمِصْرِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ بِصَدَدِ بَيَانِ تَعْرِيفِ السَّفَرِ وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ شُرُوطِ تَغْيِيرِهِ وَسَنَذْكُرُهُ.
وَقَوْلُهُ (سَيْرَ الْإِبِلِ) بِالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ. وَقَوْلُهُ (عَمَّ الرُّخْصَةُ الْجِنْسَ) وَمِنْ ضَرُورَتِهِ عُمُومُ التَّقْدِيرِ مَعْنَاهُ أَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ فِي قَوْلِهِ وَالْمُسَافِرُ لِلْجِنْسِ لِعَدَمِ مَعْهُودٍ فَتَكُونُ الرُّخْصَةُ وَهُوَ الْمَسْحُ عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا مَنْ هُوَ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ التَّقْدِيرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَيْضًا عَامًّا بِالنِّسْبَةِ إلَى ذَلِكَ، وَإِلَّا لَكَانَ نَقِيضُهُ صَادِقًا وَهُوَ بَعْضُ مَنْ هُوَ مُسَافِرٌ لَا يَمْسَحُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَيَلْزَمُ الْكَذِبُ الْمُحَالُ عَلَى الشَّارِعِ إنْ كَانَتْ الْجُمْلَةُ خَبَرِيَّةً مَعْنًى أَيْضًا، أَوْ عَدَمُ الِامْتِثَالِ لِأَمْرِهِ إنْ كَانَتْ طَلَبِيَّةً مَعْنًى وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute