وَالشَّافِعِيُّ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فِي قَوْلٍ، وَكَفَى بِالسُّنَّةِ حُجَّةً عَلَيْهِمَا
وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَلْزَمُ أَنْ لَوْ كَانَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفًا لِيَمْسَح وَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لِقَوْلِهِ وَالْمُسَافِرُ حَتَّى يَكُونَ مَعْنَاهُ وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا يَمْسَحُ، وَتَخْصِيصُ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ مَا عَدَاهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَلَّ يَمْسَحُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ» وَالثَّانِي أَنَّهُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ لِأَنَّ ظَاهِرَهُ يَقْتَضِي اسْتِيفَاءَ مُدَّةِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَذَلِكَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالِاتِّفَاقِ. وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ رَاوِيَ الْحَدِيثِ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ مُجَاهِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ النَّقَلَةِ جِدًّا حَتَّى كَانَ سُفْيَانُ يُزْرِيهِ بِالْكَذِبِ، فَبَقِيَ الْقَوْلُ بِالْمَسْحِ لِلْمُسَافِرِ يَوْمًا وَلَيْلَةً قَوْلًا بِلَا دَلِيلٍ، سَلَّمْنَا لَكِنْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ظَرْفًا لِلْمُسَافِرِ وَإِلَّا لَكَانَ فِي قَوْلِهِ يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَذَلِكَ، فَكَانَ حُكْمُ الْمُقِيمِ وَالْمُسَافِرِ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ وَاحِدًا فِي بَعْضِ الصُّوَرِ، وَفِي ذَلِكَ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ حُكْمِ الرَّاحَةِ وَالْمَشَقَّةِ وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الشَّرْعِ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النُّزُولَ لِأَجْلِ الِاسْتِرَاحَةِ مُلْحَقٌ بِالسَّيْرِ فِي حَقِّ تَكْمِيلِ مُدَّةِ السَّفَرِ تَيْسِيرًا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةُ الْمُعَلَّى عَنْهُ بِيَوْمَيْنِ وَأَكْثَرِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُسَافِرُ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ يَتَعَجَّلُ السَّيْرَ فَيَبْلُغُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِسَاعَةٍ وَلَا يُعْتَدُّ بِذَلِكَ (وَالشَّافِعِيُّ قَدَّرَهُ فِي قَوْلٍ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) وَرُبَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ عَبْدِ الْوَهَّابِ (وَكَفَى بِالسُّنَّةِ) يَعْنِي مَا رَوَيْنَا (حُجَّةً عَلَيْهِمَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute