للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيُقِيمُ الْحُدُودَ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ، وَعَنْهُ أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ، وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَى الْمُصَلِّي بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَتِهِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ.

وَيُقِيمُ الْحُدُودَ) وَالْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا إقَامَةُ الْحُدُودِ وَكَذَاك الْمُحَكَّمُ، وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُمَا لَا يَفْتَرِقَانِ فِي عَامَّةِ الْأَحْكَامِ، فَكَانَ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا مُغْنِيًا عَنْ ذِكْرِ الْآخَرِ (وَعَنْهُ) أَيْ عَنْ أَبِي يُوسُفَ (أَنَّهُمْ إذَا اجْتَمَعُوا) أَيْ اجْتَمَعَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لَا كُلُّ مَنْ يَسْكُنُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِنْ الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ لِأَنَّ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ مُجْتَمِعُونَ فِيهِ عَادَةً. قَالَ ابْنُ شُجَاعٍ: أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ إذَا كَانَ أَهْلُهَا بِحَيْثُ لَوْ اجْتَمَعُوا فِي أَكْبَرِ مَسَاجِدِهِمْ لَمْ يَسَعْهُمْ ذَلِكَ حَتَّى احْتَاجُوا إلَى بِنَاءِ مَسْجِدٍ آخَرَ لِلْجُمُعَةِ وَهَذَا الِاحْتِيَاجُ غَالِبٌ عِنْدَ اجْتِمَاعِ مَنْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الثَّلْجِيِّ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَةٌ أُخْرَى غَيْرُ هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْكُنُهُ عَشْرَةُ آلَافِ نَفَرٍ فَكَانَ عَنْهُ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ.

وَقَوْلُهُ (وَالْحُكْمُ غَيْرُ مَقْصُورٍ) يَعْنِي جَوَازَ إقَامَةِ الْجُمُعَةِ لَيْسَ بِمَحْصُورٍ فِي الْمُصَلَّى (بَلْ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ لِأَنَّهَا) أَيْ الْأَفْنِيَةَ (بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِ فِي حَوَائِجِ أَهْلِهِ) وَيُعْرَفُ مِنْ هَذَا التَّعْلِيلِ تَعْرِيفُ الْفِنَاءِ، وَهُوَ مَا أُعِدَّ لِحَوَائِجِ أَهْلِ الْمِصْرِ، وَفِنَاءُ الدَّارِ وَفِنَاءُ كُلِّ شَيْءٍ كَذَلِكَ. وَقَدَّرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِنَاءَ الْمِصْرِ بِالْغَلْوَةِ اعْتِبَارًا بِمَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الْمِصْرُ لَيْسَ بِشَرْطٍ وَلَا فِنَاؤُهُ، بَلْ كُلُّ قَرْيَةٍ يَسْكُنُهَا أَرْبَعُونَ مِنْ الرِّجَالِ الْأَحْرَارِ لَا يَظْعَنُونَ عَنْهَا شِتَاءً وَلَا صَيْفًا تُقَامُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ﴾ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، وَلِمَا رُوِيَ أَنَّ أَوَّلَ جُمُعَةٍ جُمِعَتْ فِي الْإِسْلَامِ بَعْدَ الْمَدِينَةِ مَا جُمِعَتْ بِجُوَاثَا، وَهِيَ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى عَامِرِ بْنِ الْقَيْسِ بِالْبَحْرَيْنِ، وَكَتَبَ أَبُو هُرَيْرَةَ إلَى عُمَرَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْجُمُعَةِ بِجُوَاثَا فَكَتَبَ إلَيْهِ أَنْ جَمِّعْ بِهَا وَحَيْثُمَا كُنْت وَالْجَوَابُ أَنَّ قَوْلَهُ «إلَّا فِي مِصْرٍ جَامِعٍ» يَنْفِي إقَامَتَهَا فِي الْقُرَى، وَالصَّحَابَةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>