وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِمَا رَوَيْنَا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ ﵀: يَجُوزُ إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ ﵊ «إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يَحْمِلْ خَبَثًا» وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ، وَقَوْلُهُ
لَا تَحْدِيدًا، وَقِيلَ الْقُلَّةُ جَرَّةٌ تُحْمَلُ مِنْ الْيَمِينِ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا. وَلَنَا حَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامَةِ وَهُوَ قَوْلُهُ: ﷺ «إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ مَنَامَةِ فَلَا يَغْمِسُ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ حَتَّى يَغْسِلَهَا ثَلَاثًا» وَوَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ لَمَّا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْ الْغَمْسِ لِأَجْلِ احْتِمَالِ النَّجَاسَةِ، فَحَقِيقَةُ النَّجَاسَةِ أَوْلَى أَنْ يَكُونَ نَجِسًا.
وَقَوْلُهُ: ﵊ «لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَلَا يَغْتَسِلَنَّ فِيهِ مِنْ الْجَنَابَةِ» رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ، أَمَّا عَلَى مَالِكٍ فَإِنَّهُ نَهَى عَنْ الِاغْتِسَالِ فِيهِ وَأَنَّهُ لَا يُغَيَّرُ أَحَدُ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِيَقِينٍ، وَأَمَّا عَلَى الشَّافِعِيِّ فَلِأَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ، وَمُطْلَقُ النَّهْيِ يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ، لَا سِيَّمَا عَلَى مَذْهَبِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُنَجَّسًا كَانَ كَسَكْبِ الْمَاءِ فِيهِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُحَرَّمٍ. وَلَمْ يَفْصِلْ بَيْنَ دَائِمٍ وَدَائِمٍ فَكَانَ الْقُلَّتَانِ وَغَيْرُهُمَا سَوَاءً. لَا يُقَالُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ لِلتَّنْزِيَةِ؛ لِأَنَّ تَأْكِيدَهُ وَتَقْيِيدَهُ بِالدَّائِمِ يُنَافِيهِ، فَإِنَّ الْمَاءَ الْجَارِي يُشَارِكُهُ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى، فَإِنَّ الْبَوْلَ كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ بِأَدَبٍ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ فَكَذَلِكَ فِي الْجَارِي فَلَا يَكُونُ لِلتَّقْيِيدِ فَائِدَةٌ، وَكَلَامُ الشَّارِعِ مَصُونٌ عَنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قِيلَ الِاسْتِدْلَال بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّ الْغَدِيرَ الْعَظِيمَ مَاءٌ دَائِمٌ فَيَدْخُلُ تَحْتَ إطْلَاقِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْجَارِي بِالْإِجْمَاعِ فِي عَدَمِ اخْتِلَاطِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute