(إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ فَقَالَ أَصَبْتُهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ أَوْ عَلَيَّ دَيْنٌ وَحَلَفَ صُدِّقَ) وَالْعَاشِرُ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ، فَمَنْ أَنْكَرَ مِنْهُمْ تَمَامَ الْحَوْلِ أَوْ الْفَرَاغِ مِنْ الدَّيْنِ كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ
بِزَكَاةٍ، وَقَدَّمَ الزَّكَاةَ عَلَى هَذَا الْبَابِ وَعَلَى مَا بَعْدَهُ لِكَوْنِهَا عِبَادَةً مَحْضَةً لَا شَائِبَةَ فِيهَا لِلْغَيْرِ، وَالْعَاشِرُ مُشْتَقٌّ مِنْ عَشَرْت الْقَوْمَ إذَا أَخَذْت عُشْرَ أَمْوَالِهِمْ فَهُوَ تَسْمِيَةٌ لِلشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ بَعْضِ أَحْوَالِهِ وَهُوَ أَخْذُهُ الْعُشْرَ مِنْ الْحَرْبِيِّ لَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ عَلَى مَا سَيَجِيءُ (قَوْلُهُ إذَا مَرَّ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ) أَيْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْأَمْوَالَ الظَّاهِرَةَ وَهِيَ السَّوَائِمُ لَا يَحْتَاجُ الْعَاشِرُ فِيهَا إلَى مُرُورِ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي ثُبُوتِ وِلَايَةِ الْأَخْذِ لَهُ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ عُشْرَ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَمُرَّ صَاحِبُ الْمَالِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَإِنَّ الْأَدَاءَ لِصَاحِبِ الْمَالِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مُحْتَاجَةٍ إلَى الْحِمَايَةِ لِبُطُونِهَا، فَإِذَا أَخْرَجَهَا إلَى الْمَفَازَةِ احْتَاجَتْ إلَيْهَا فَصَارَتْ كَالسَّوَائِمِ، فَإِذَا مَرَّ التَّاجِرُ عَلَى الْعَاشِرِ بِمَالٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَقَالَ أَصَبْته مُنْذُ أَشْهُرٍ: يُعْنَى لَمْ يَحُلْ عَلَيْهِ الْحَوْلُ وَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ مَالٌ آخَرُ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْمَالِ حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّ الْحَوْلَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْمُسْتَفَادِ مِنْ الْجِنْسِ، أَوْ قَالَ عَلَى دَيْنٍ. يَعْنِي دَيْنًا مُسْتَغْرِقًا لَهُ مُطَالَبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ صُدِّقَ وَعَرَّفَ الْعَاشِرَ بِقَوْلِهِ مَنْ نَصَبَهُ الْإِمَامُ عَلَى الطَّرِيقِ لِيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ مِنْ التُّجَّارِ. وَنُوقِضَ بِأَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ الْكَافِرِ وَلَيْسَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ صَدَقَةً. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي نَصْبِهِ أَخْذُ الصَّدَقَاتِ لِأَنَّ فِيهِ إعَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَدَاءِ الْعِبَادَةِ، وَمَا عَدَاهَا تَابِعٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى تَنْصِيصِهِ بِالذِّكْرِ.
وَقَوْلُهُ (فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَّامَ الْحَوْلِ) يَعْنِي بِقَوْلِهِ أَصَبْت مُنْذُ أَشْهُرٍ (أَوْ الْفَرَاغُ مِنْ الدَّيْنِ) بِقَوْلِهِ أَوْ عَلَى دَيْنٍ (كَانَ مُنْكِرًا لِلْوُجُوبِ وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) وَفِيهِ بَحْثٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ قَوْلَهُ مُنْذُ أَشْهُرٍ لَا يَدُلُّ عَلَى مَا دُونَ الْحَوْلِ فَكَيْفَ عَبَّرَ عَنْهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute