للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا إلَى عَاشِرٍ آخَرَ)، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ فِي تِلْكَ السُّنَّةِ عَاشِرٌ آخَرُ؛ لِأَنَّهُ ادَّعَى وَضْعَ الْأَمَانَةِ مَوْضِعَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ عَاشِرٌ آخَرُ فِي تِلْكَ السَّنَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَذِبُهُ بِيَقِينٍ (وَكَذَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُهَا أَنَا) يَعْنِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْأَدَاءَ كَانَ مُفَوَّضًا إلَيْهِ فِيهِ، وَوِلَايَةُ الْأَخْذِ بِالْمُرُورِ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي صَدَقَةِ السَّوَائِمِ فِي ثَلَاثَةِ فُصُولٍ، وَفِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ وَهُوَ مَا إذَا قَالَ: أَدَّيْتُ بِنَفْسِي إلَى الْفُقَرَاءِ فِي الْمِصْرِ لَا يُصَدَّقُ وَإِنْ حَلَفَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَوْصَلَ الْحَقَّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ. وَلَنَا أَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ لِلسُّلْطَانِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ. ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ. وَقِيلَ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا

بِقَوْلِهِ فَمَنْ أَنْكَرَ تَمَامَ الْحَوْلِ. وَالثَّانِي أَنَّ الزَّكَاةَ عِبَادَةٌ خَالِصَةٌ فَكَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ لِلتَّصْدِيقِ فِيهِمَا التَّحْلِيفُ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَشْهُرَ تَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا لِكَوْنِهِ جَمْعَ قِلَّةٍ، وَالْأَصْلُ فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ، وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ عِبَادَةً لَكِنْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ الْعَاشِرِ فِي الْأَخْذِ وَحَقُّ الْفَقِيرِ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ فَالْعَاشِرُ بَعْدَ ذَلِكَ يُدَّعَى عَلَيْهِ مَعْنًى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَهُ فَيَسْتَحْلِفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى، بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِمَا حَقُّ الْعَبْدِ، وَلَا يَلْزَمُ حَدُّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهِ إذَا أَنْكَرَ وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي الْحُدُودِ مُتَعَذِّرٌ عَلَى مَا عُرِفَ.

وَقَوْلُهُ (وَكَذَا إذَا قَالَ أَدَّيْت إلَى عَاشِرٍ آخَرَ) ظَاهِرٌ وَقَوْلُهُ (ثُمَّ قِيلَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ) بِنَاءً عَلَى مَا لِأَصْحَابِنَا مِنْ الطَّرِيقَيْنِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ صَادِقًا فِيمَا قَالَ يَبْرَأُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَبْرَأُ، فَمَنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ قَالَ الزَّكَاةُ هُوَ الْأَوَّلُ كَمَا لَوْ خَفِيَ عَلَى السَّاعِي مَكَانَ مَالِهِ فَادَّعَى صَاحِبُ الْمَالِ زَكَاتَهُ وَقَعَ زَكَاةً (وَالثَّانِي سِيَاسَةٌ) مَالِيَّةٌ زَجْرًا لِغَيْرِهِ عَنْ الْإِقْدَامِ عَمَّا لَيْسَ إلَيْهِ (وَمَنْ اخْتَارَ الثَّانِيَ قَالَ الزَّكَاةُ هُوَ الثَّانِي وَالْأَوَّلُ يَنْقَلِبُ نَفْلًا) كَمَنْ صَلَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ الظُّهْرَ فِي مَنْزِلِهِ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ فَأَدَّاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>