بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْقُرَشِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُعْتَقِ لِأَنَّهُ الْقِيَاسُ وَالْإِلْحَاقُ بِالْمَوْلَى بِالنَّصِّ وَقَدْ خَصَّ الصَّدَقَةَ.
(قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى رَجُلٍ يَظُنُّهُ فَقِيرًا ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ أَوْ دَفَعَ فِي ظُلْمَةٍ فَبَانَ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانِ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصَارَ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ. وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ
بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُوعٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ لِأَبِي رَافِعٍ اصْحَبْنِي فَإِنَّك تُصِيبُ مِنْهَا، فَقَالَ: حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ ﷺ فَأَسْأَلَهُ، فَأَتَاهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَإِنَّا لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ لَمَا وَجَبَتْ الْجِزْيَةُ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ أَعْتَقَهُ قُرَشِيٌّ لِأَنَّهُ لَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْقُرَشِيُّ عَبْدًا نَصْرَانِيًّا حَيْثُ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَيُعْتَبَرُ حَالُ الْمُعْتَقِ) بِفَتْحِ التَّاءِ (لِأَنَّهُ هُوَ الْقِيَاسُ) فَإِنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لَا يُلْحَقَ الْمُعْتَقُ بِالْمُعْتِقِ فِي حَالَةٍ مَا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَصْلٌ بِنَفْسِهِ مِنْ حَيْثُ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَالْحُرِّيَّةُ، وَخِطَابُ الشَّرْعِ وَالْإِلْحَاقُ: إنَّمَا كَانَ بِالنَّصِّ فِي حَقِّ الصَّدَقَةِ فَلَا يَتَعَدَّاهُ، وَلِهَذَا يُؤْخَذُ مِنْ مَوْلَى التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةَ دُونَ الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ.
وَقَوْلُهُ (قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ) هَذَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ مَحَلًّا لِلصَّدَقَةِ، أَوْ لَمْ يَظْهَرْ حَالُهُ عِنْدَهُ أَصْلًا، أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لِلصَّدَقَةِ. فَفِي الْأَوَّلَيْنِ يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، وَفِي الثَّالِثِ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ (وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ) وَهَلْ يَطِيبُ الْمَقْبُوضُ لِلْقَابِضِ ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ، فَعَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُطَيِّبُ مَاذَا يَصْنَعُ بِهَا قِيلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ، وَقِيلَ: يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ لِيُعِيدَ الْإِيتَاءَ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ) وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ (لِظُهُورِ خَطَئِهِ بِيَقِينٍ وَإِمْكَانُ الْوُقُوفِ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَصَارَ كَالْأَوَانِي وَالثِّيَابِ) فَإِنَّ الْأَوَانِيَ الطَّاهِرَةَ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالنَّجِسَةِ، فَإِنْ غَلَبَتْ الطَّاهِرَةُ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ إنَاءَانِ طَاهِرَانِ وَوَاحِدٌ نَجِسٌ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَتْرُكَ التَّحَرِّيَ، فَإِذَا تَحَرَّى وَتَوَضَّأَ ثُمَّ ظَهَرَ الْخَطَأُ يُعِيدُ الْوُضُوءَ، وَأَمَّا إذَا غَلَبَتْ النَّجِسَةُ أَوْ تَسَاوَتَا يَتَيَمَّمُ وَلَا يَتَحَرَّى وَأَمَّا الثِّيَابُ الطَّاهِرَةُ إذَا اخْتَلَطَتْ بِالنَّجِسَةِ وَلَيْسَ ثَمَّةَ عَلَامَةٌ تُعْرَفُ بِهَا فَإِنَّهُ يَتَحَرَّى مُطْلَقًا، فَإِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ مِنْهَا بِالتَّحَرِّي ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ أَعَادَ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ فَلِأَنَّ فَسَادَ جِهَةِ الزَّكَاةِ لَا يَنْقُضُ الْأَدَاءَ (وَلَهُمَا حَدِيثُ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ) وَهُوَ مَا رُوِيَ «أَنَّ يَزِيدَ دَفَعَ صَدَقَتَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَدْفَعَهَا إلَى الْفَقِيرِ فَدَفَعَهَا إلَى ابْنِهِ مَعْنٍ، فَلَمَّا أَصْبَحَ رَآهَا مَعَهُ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت، فَاخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute