ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ وَعَنْ مُحَمَّدٍ ﵀ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ كَيْلًا وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ، وَالدَّرَاهِمُ أَوْلَى مِنْ الدَّقِيقِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي يُوسُفَ ﵀، وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ ﵀ لِأَنَّهُ أَدْفَعُ لِلْحَاجَةِ وَأَعْجَلُ بِهِ، وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ تَفْضِيلُ الْحِنْطَةِ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ مِنْ الْخِلَافِ إذْ فِي الدَّقِيقِ وَالْقِيمَةِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ﵀ قَالَ (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀: خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀ لِقَوْلِهِ ﵊ «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ».
خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: يَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا أَدَّى مَنَوَيْنِ مِنْ خُبْزِ الْحِنْطَةِ جَازَ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ الدَّقِيقُ وَالسَّوِيقُ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَمِنْ الْخُبْزِ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْفَقِيرِ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْخُبْزِ نَصٌّ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الذُّرَةِ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ لَا تُعْتَبَرُ فِيهِ الْقِيمَةُ حَتَّى لَوْ أَدَّى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ قِيمَةَ نِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إبْطَالَ التَّقْدِيرِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمُؤَدَّى، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، فَأَمَّا مَا لَيْسَ بِمَنْصُوصٍ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُلْحَقُ بِالنُّصُوصِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ إذْ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ ذَلِكَ (ثُمَّ يُعْتَبَرُ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَزْنًا فِيمَا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀) لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ لَمَّا اخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الصَّاعِ أَنَّهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ أَوْ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ فَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى التَّقْدِيرِ بِمَا يَعْدِلُ بِالْوَزْنِ وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَزْنِ فِيهِ، وَرَوَى ابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ كَيْلًا.
قَالَ قُلْت لَهُ: لَوْ وَزَنَ الرَّجُلُ مَنَوَيْنِ مِنْ الْحِنْطَةِ وَأَعْطَاهُمَا الْفَقِيرَ هَلْ يَجُوزُ مِنْ صَدَقَتِهِ فَقَالَ: لَا فَقَدْ تَكُونُ الْحِنْطَةُ ثَقِيلَةً فِي الْوَزْنِ، وَقَدْ تَكُونُ خَفِيفَةً فَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ نِصْفُ الصَّاعِ كَيْلًا لِأَنَّ الْآثَارَ جَاءَتْ بِالتَّقْدِيرِ بِالصَّاعِ وَهُوَ اسْمٌ لِلْمِكْيَالِ. وَقَوْلُهُ (وَالدَّقِيقُ أَوْلَى مِنْ الْبُرِّ) وَاضِحٌ. قَالَ: (وَالصَّاعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الصَّاعِ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: هُوَ مَا يَسَعُ فِيهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ بِالرِّطْلِ الْعِرَاقِيِّ كُلُّ رِطْلٍ عِشْرُونَ أَسْتَارًا وَالْإِسْتَارُ سِتَّةُ دَرَاهِمَ وَنِصْفٌ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ﵀ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ وَثُلُثُ رِطْلٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀ لِقَوْلِهِ ﷺ «صَاعُنَا أَصْغَرُ الصِّيعَانِ»). وَهَذَا أَصْغَرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى ثَمَانِيَةِ أَرْطَالٍ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute