فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْوَاجِبُ، وَقِيلَ: يَجْزِيهِ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لَا يَقُومُ بِكُلِّ صَوْمٍ، بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الْإِجَابَةِ بِلَازِمِ كُلِّ صَوْمٍ، وَالْكَرَاهِيَةُ هَهُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ. وَالثَّالِثُ: أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ ﵀ فِي قَوْلِهِ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ، التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ،
فَيَكُونُ نَاقِصًا وَمَا فِي ذِمَّتِهِ كَامِلٌ، فَلَا يَتَأَدَّى الْكَامِلُ بِالنَّاقِصِ، كَمَا لَوْ صَامَ يَوْمَ الْعِيدِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ وَهُوَ التَّقَدُّمُ عَلَى رَمَضَانَ) أَيْ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ «لَا تَتَقَدَّمُوا عَلَى رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» إنَّمَا هُوَ (بِصَوْمِ رَمَضَانَ) لِمَا سَنَذْكُرُ، وَهُوَ (لَا يُوجَدُ بِكُلِّ صَوْمٍ بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ وَهُوَ تَرْكُ إجَابَةِ دَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ) فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يَكُونَ صَوْمُ وَاجِبٍ آخَرَ مَكْرُوهًا أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَالْكَرَاهِيَةُ هَهُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ: إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْكَرَاهَةَ لِتَنَاوُلِ عُمُومِ نَفْيِ حَدِيثٍ آخَرَ. وَهُوَ قَوْلُهُ ﵊ «لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ» الْحَدِيثَ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ الشَّارِحِينَ: لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا لِحَقِيقَةِ النَّهْيِ، لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي التَّقَدُّمِ بِصَوْمِ رَمَضَانَ إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ مِثْلَ صَوْمِهِ رَمَضَانَ فِي الْفَرْضِيَّةِ أَثْبَتْنَا فِيهِ نَوْعَ كَرَاهَةٍ. (وَالثَّالِثُ: أَنْ يُنْوَى التَّطَوُّعُ وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لَا رَوَيْنَا) مِنْ قَوْلِهِ ﵊ " إلَّا تَطَوُّعًا ". (وَهُوَ) بِإِطْلَاقِهِ (حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلِهِ يُكْرَهُ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مُوَافِقًا لِصَوْمٍ كَانَ يَصُومُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَوْمًا يَصُومُهُ رَجُلٌ فَلْيَصُمْ ذَلِكَ الصَّوْمَ» وَهَذَا نَصٌّ عَلَى الْجَوَازِ بِنَاءً.
وَأَجَابَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ (وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ ﵊ «لَا تَتَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلَا بِصَوْمِ يَوْمَيْنِ» الْحَدِيثَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ لِأَنَّهُ يُؤَدِّيهِ قَبْلَ أَوَانِهِ) وَفِي ذَلِكَ تَقْدِيمُ الْحُكْمِ عَلَى السَّبَبِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ الشَّهْرِ وَقْتٌ لِلتَّطَوُّعِ لَا لِصَوْمِ الشَّهْرِ فَلَا يُتَصَوَّرُ التَّقَدُّمُ بِالتَّطَوُّعِ. فَإِنْ قِيلَ: صَوْمُ رَمَضَانَ هُوَ مَا يَقَعُ فِيهِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ التَّقَدُّمُ فِيهِ. أُجِيبَ: بِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الْفَرْضَ قَبْلَ الشَّهْرِ، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute