لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ عَلَى التَّرَاخِي، حَتَّى كَانَ لَهُ أَنْ يَتَطَوَّعَ.
(وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ وَلَدَيْهِمَا أَفْطَرَتَا وَقَضَتَا) دَفْعًا لِلْحَرَجِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ (وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ﵀ فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ، هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي. وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي، وَالْفِطْرَ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ، وَالْوَلَدُ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا.
فِي الشَّرْعِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْأَصْلِ، وَبِالتَّأْخِيرِ لَمْ يَثْبُتْ الْعَجْزُ. وَلَنَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِالْقَضَاءِ مُطْلَقًا، وَالْأَمْرُ الْمُطْلَقُ لَا يُوجِبُ الْفَوْرَ بَلْ عَلَى التَّرَاخِي، وَلِهَذَا لَوْ تَطَوَّعَ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَذْهَبُنَا مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ﵄.
وَقَوْلُهُ (وَالْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ هَهُنَا الظِّئْرُ، لِأَنَّ الْأُمَّ لَا تُفْطِرُ إذَا كَانَ لِلْوَلَدِ أَبٌ، لِأَنَّ الصَّوْمَ فَرْضٌ عَلَيْهَا دُونَ الْإِرْضَاعِ، وَقَالَ شَيْخُ شَيْخِي عَبْدُ الْعَزِيزِ: يَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ يَسَارَ الْأَبِ أَوْ عَدَمَ أَخْذِ الْوَلَدِ ضَرْعَ غَيْرِ الْأُمِّ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ إفْطَارٌ بِعُذْرٍ) قِيلَ: نَعَمْ هُوَ عُذْرٌ، وَلَكِنْ لَا فِي نَفْسِ الصَّائِمِ بَلْ لِأَجْلِ غَيْرِهِ، وَمِثْلُهُ لَا يُعْتَدُّ بِهِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ بِقَتْلِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الشُّرْبُ. وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ مَأْمُورَةٌ بِصِيَانَةِ الْوَلَدِ مَقْصُودَةٌ، وَهِيَ لَا تَتَأَتَّى بِدُونِ الْإِفْطَارِ عِنْدَ الْخَوْفِ فَكَانَتْ مَأْمُورَةً بِالْإِفْطَارِ وَالْأَمْرُ بِالْإِفْطَارِ مَعَ الْكَفَّارَةِ الَّتِي بِنَاؤُهَا عَلَى الْوُجُوبِ عَنْ الْإِفْطَارِ لَا يَجْتَمِعَانِ بِخِلَافِ الْإِكْرَاهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ مَأْمُورًا قَصْدًا بِصِيَانَةِ غَيْرِهِ بَلْ نَشَأَ الْأَمْرُ هُنَاكَ مِنْ ضَرُورَةِ حُرْمَةِ الْقَتْلِ وَالْحُكْمِ بِتَفَاوُتِ الْأَمْرِ قَصْدًا وَضِمْنًا.
وَقَوْلُهُ (فِيمَا إذَا خَافَتْ عَلَى الْوَلَدِ إلَخْ) يَعْنِي إذَا خَافَتْ الْحَامِلُ أَوْ الْمُرْضِعُ عَلَى نَفْسِهَا لَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِذَا خَافَتْ عَلَى وَلَدِهَا فَأَفْطَرَتْ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْفِدْيَةُ عَلَى أَصَحِّ أَقْوَالِهِ عِنْدَهُمْ (هُوَ يَعْتَبِرُهُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي) فَإِنَّ الْفِطْرَ حَصَلَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ عَنْ الصَّوْمِ خِلْقَةً لَا عِلَّةً فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَفِطْرِ الشَّيْخِ الْفَانِي، وَلِأَنَّ فِيهِ مَنْفَعَةَ نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، فَبِالنَّظَرِ إلَى نَفْسِهَا يَجِبُ الْقَضَاءُ وَبِالنَّظَرِ إلَى مَنْفَعَةِ وَلَدِهَا تَجِبُ الْفِدْيَةُ، وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ فِيهِ ثَبَتَتْ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ (وَالْفِطْرُ بِسَبَبِ الْوَلَدِ لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ عَاجِزٌ بَعْدَ الْوُجُوبِ وَالْوَلَدَ لَا وُجُوبَ عَلَيْهِ أَصْلًا) أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute