للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَالشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ يُفْطِرُ وَيُطْعِمُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا كَمَا يُطْعِمُ فِي الْكَفَّارَاتِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾ قِيلَ مَعْنَاهُ: لَا يُطِيقُونَهُ، وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ يَبْطُلُ حُكْمُ الْفِدَاءِ

لَمْ تَجِبُ عَلَى مَالِهِ، وَلَمْ تَتَضَاعَفْ بِتَضَاعُفِ الْوَلَدِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً أَيْضًا،

وَقَوْلُهُ (وَالشَّيْخُ الْفَانِي) وَصْفٌ بِمَا بَيَّنَ الْمُرَادَ بِهِ بِقَوْلِهِ (الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ) وَسُمِّيَ فَانِيًا إمَّا لِقُرْبِهِ إلَى الْفَنَاءِ أَوْ لِأَنَّهُ فَنِيَتْ قُوَّتُهُ، وَوُجُوبُ الْفِدْيَةِ عَلَيْهِ مَذْهَبُنَا.

وَقَالَ مَالِكٌ : لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، لِأَنَّ الْأَصْلَ وَهُوَ الصَّوْمُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ فَلَا يَجِبُ خَلَفُهُ وَقُلْنَا: السَّبَبُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ تَنَاوَلَهُ حَتَّى لَوْ تَحَمَّلَ الْمَشَقَّةَ وَصَامَ وَقَعَ عَنْ فَرْضِهِ، وَإِنَّمَا يُبَاحُ لَهُ الْإِفْطَارُ بِعُذْرٍ لَيْسَ بِعَرَضِ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَارَ إلَى الْقَضَاءِ كَالْمَرَضِ وَالسَّفَرِ فَوَجَبَتْ الْفِدْيَةُ كَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ الصَّوْمُ (وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ قَالَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ (مَعْنَاهُ لَا يُطِيقُونَهُ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا﴾ فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ﴾ كَانَ الْأَغْنِيَاءُ يُفْطِرُونَ وَيَفِدُونَ وَالْفُقَرَاءُ يَصُومُونَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ كَانَ الرَّجُلُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْفِدْيَةِ، ثُمَّ نُسِخَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾ وَالْمَنْسُوخُ لَا يَجُوزُ الِاسْتِدْلَال بِهِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْآيَةَ إنْ وَرَدَتْ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ السَّلَفِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ وَرَدَتْ فِي التَّخْيِيرِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ النَّسْخَ إنَّمَا ثَبَتَ فِي حَقِّ الْقَادِرِ عَلَى الصَّوْمِ، فَبَقِيَ الشَّيْخُ الْفَانِي عَلَى حَالِهِ كَمَا كَانَ.

وَقَوْلُهُ (وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الصَّوْمِ) يَعْنِي بَعْدَمَا فَدَى (بَطَلَ حُكْمُ الْفِدَاءِ) وَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>