وَفِيهِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -: مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ، وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ الْفَجْرُ الثَّانِي، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الصَّلَاةِ
(ثُمَّ التَّسَحُّرُ مُسْتَحَبٌّ) لِقَوْلِهِ ﵊ «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» (وَالْمُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُهُ) لِقَوْلِهِ ﵊ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السَّحُورِ، وَالسِّوَاكُ»
يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ عُمَرُ: بَعَثْنَاك دَاعِيًا وَلَمْ نَبْعَثْك رَاعِيًا (مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ، قَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ) فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى لُزُومِ الْقَضَاءِ وَعَدَمِ الْإِثْمِ. وَإِنْ جَعَلْت الْمَوْضِعَ مَوْضِعَ بَيَانِ مَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ دَلَّ عَلَى عَدَمِ الْكَفَّارَةِ أَيْضًا، لِأَنَّ السُّكُوتَ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَى الْبَيَانِ بَيَانٌ. وَالْجَنَفُ الْمَيْلُ. فَإِنْ قِيلَ: مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْكِتَابِ هُوَ مَا يَكُونُ ظَنًّا فَمَا حُكْمُ الشَّكِّ فِي ذَلِكَ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إذَا شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِذَا شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ وَجَبَتْ. وَالْفَرْقُ أَنَّهُ مَتَى. شَكَّ فِي غُرُوبِ الشَّمْسِ فَأَفْطَرَ فَقَدْ كَمَّلَ الْفِطْرَ عَلَى سَبِيلِ التَّعَدِّي، لِأَنَّهُ كَانَ مُتَيَقِّنًا بِالنَّهَارِ شَاكًّا بِاللَّيْلِ، وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَفِي طُلُوعِ الْفَجْرِ بِالْعَكْسِ. وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ قَالَ: يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ. وَقَوْلُهُ (وَالْمُرَادُ بِالْفَجْرِ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (ثُمَّ التَّسَحُّرُ) السَّحَرُ آخِرُ اللَّيْلِ، عَنْ اللَّيْثِ قَالُوا: هُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ، وَالسَّحُورُ اسْمٌ لِمَا يُؤْكَلُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَقَوْلُهُ ﵊ «فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً» أَيْ فِي أَكْلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ زِيَادَةُ الْقُوَّةِ عَلَى أَدَاءِ الصَّوْمِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ نَيْلُ زِيَادَةِ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ، ثُمَّ تَأْخِيرُ أَكْلَ السُّحُورِ مُسْتَحَبٌّ فِي مُسْتَحَبٍّ، فَإِنَّ نَفْسَ التَّسَحُّرِ مُسْتَحَبٌّ. وَتَأْخِيرَهُ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا، فَكَانَ التَّأْخِيرُ مُسْتَحَبًّا فِي مُسْتَحَبٍّ. قَالَ ﵊ «ثَلَاثٌ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ: تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ، وَتَأْخِيرُ السُّحُورِ، وَالسِّوَاكُ» فَإِنْ قِيلَ: مَا وَجْهُ جَعْلِ تَأْخِيرِ السُّحُورِ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُرْسَلِينَ وَهُوَ مَخْصُوصٌ بِأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَبِأُمَّتِهِ ﵊، فَإِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ «فَرْقُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلُ السَّحُورِ». أُجِيبَ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْأَكْلَةُ الثَّانِيَةُ فَإِنَّهَا كَانَتْ تَجْرِي مَجْرَى السُّحُورِ فِي حَقِّهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: لَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ، فَإِنَّ الْأَوَّلَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute