وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ أَنَّهَا تَجِبُ، وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا شُبْهَةَ. وَجْهُ الْأَوَّلِ قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ فَلَا يَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ.
(وَلَوْ احْتَجَمَ وَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفْطِرُهُ ثُمَّ أَكَلَ مُتَعَمِّدًا عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ) لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ
فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
وَقَوْلُهُ (لِأَنَّهُ لَا اشْتِبَاهَ) يَعْنِي إذَا عُلِمَ الْحَدِيثُ عُلِمَ أَنَّ الْقِيَاسَ مَتْرُوكٌ، وَالْمَتْرُوكُ لَا يُورِثُ شُبْهَةً فَلَا شُبْهَةَ.
وَقَوْلُهُ (وَجْهُ الْأَوَّلِ) يَعْنِي عَدَمَ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ (قِيَامُ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ بِالنَّظَرِ إلَى الْقِيَاسِ) وَهَذَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ الْحُكْمِيَّةَ هِيَ الشُّبْهَةُ فِي الْمَحَلِّ، وَهِيَ الَّتِي يَتَحَقَّقُ بِقِيَامِ الدَّلِيلِ النَّافِي لِلْحُرْمَةِ فِي ذَاتِهِ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى ظَنِّ الْجَانِي وَاعْتِقَادِهِ كَمَا سَيَجِيءُ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ، وَالْقِيَاسُ دَلِيلٌ قَائِمٌ يَنْفِي حُرْمَةَ الْأَكْلِ الثَّانِي سَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ (كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ ابْنِهِ) فَإِنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ الْحَدُّ سَوَاءٌ كَانَ الْأَبُ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَوْ لَا.
وَقَوْلُهُ (وَلَوْ احْتَجَمَ) صُورَتُهُ ظَاهِرَةٌ. وَقَوْلُهُ (لِأَنَّ الظَّنَّ مَا اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ) فَإِنَّ الْحِجَامَةَ كَالْفَصْدِ فِي خُرُوجِ الدَّمِ مِنْ الْعُرُوقِ وَالْفَصْدُ لَا يُفْسِدُ، فَكَذَا الْحِجَامَةُ. لَا يُقَالُ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَدَمِ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وُصُولُ شَيْءٍ إلَى بَاطِنِهِ وَلَا قَضَاءُ شَهْوَةٍ. وَمَعَ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَابِتٌ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ كَالِاسْتِقَاءِ. فَإِنْ قِيلَ: فَلْتَكُنْ الْحِجَامَةُ كَذَلِكَ بِقَوْلِهِ ﷺ «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ». أُجِيبَ «بِأَنَّهُ ﷺ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ» رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄، وَرَوَى أَيْضًا «أَنَّهُ ﵊ احْتَجَمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ صَائِمٌ بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ» فَكَانَ الْحَدِيثُ مُعَارَضًا بِهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ شَيْءٌ. لَا يُقَالُ: مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ ﵄ حِكَايَةُ فِعْلٍ وَالْقَوْلُ رَاجِحٌ، لِأَنَّ الْقَوْلَ إنَّمَا يَكُونُ رَاجِحًا إذَا لَمْ يَكُنْ مُؤَوَّلًا وَهَذَا مُؤَوَّلٌ عَلَى مَا يُذْكَرُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute