للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ (وَ) كَذَا (اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ) لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِيهِ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إذْ هُوَ مَحْظُورُهُ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ، لِأَنَّ الْكَفَّ رُكْنُهُ لَا مَحْظُورُهُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ (فَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا بَطَلَ اعْتِكَافُهُ) لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ الِاعْتِكَافِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ

﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ وَكَذَا اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّهُ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ اللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ (مِنْ دَوَاعِي الْجِمَاعِ، إذْ هُوَ) أَيْ الْجِمَاعُ (مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ، كَمَا أَنَّهُ مَحْظُورُ الْإِحْرَامِ) فَكَانَتْ الدَّوَاعِي مُحَرَّمَةً. فَإِنْ قِيلَ: الْجِمَاعُ يُفْسِدُ الصَّوْمَ كَمَا أَنَّهُ يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ. أَجَابَ بِقَوْلِهِ (بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ) أَيْ عَنْ الْجِمَاعِ (رُكْنُهُ لَا مَحْظُورُهُ، فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ) وَلَا زَالَ فِي تَحْقِيقِهِ اصْطَكَّتْ الرُّكَبُ، وَأَقْصَى مَا انْتَهَى إلَيْهِ الْقَدْرُ أَنْ قَالُوا: الْوَطْءُ مَحْظُورُ الِاعْتِكَافِ لِأَنَّ مَحْظُورَ الشَّيْءِ مَا نُهِيَ عَنْهُ بَعْدَ وُجُودِهِ مِمَّا يُفْسِدُهُ، وَالْوَطْءُ فِي الِاعْتِكَافِ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ اللُّبْثُ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الصَّوْمِ وَالنِّيَّةِ، هَذَا حَقِيقَتُهُ.

ثُمَّ نُهِيَ الْمُعْتَكِفُ أَنْ يَرْتَكِبَ الْوَطْءَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ بِصَرِيحِ قَوْله تَعَالَى ﴿وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾ مَقْصُودًا فَتَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي؛ لِأَنَّ الشُّبُهَاتِ فِي بَابِ الْمُحَرَّمَاتِ مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ، كَمَا قُلْنَا فِي الْإِحْرَامِ: إنَّ حَقِيقَتَهُ التَّلْبِيَةُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ، ثُمَّ بَعْدَمَا وُجِدَ ذَلِكَ صَارَ الْوَطْءُ حَرَامًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ﴾ فَتَعَدَّتْ الْحُرْمَةُ إلَى الدَّوَاعِي مِنْ الْمَسِّ وَالْقُبْلَةِ. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَالْوَطْءُ لَيْسَ بِمَحْظُورِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَفْسِيرِ الْمَحْظُورِ، فَإِنَّ رُكْنَ الصَّوْمِ الْكَفُّ عَنْ الْوَطْءِ ثَبَتَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ﴾ بَعْدَ قَوْلِهِ ﴿فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ﴾ الْآيَةَ. وَثَبَتَ إذْ ذَاكَ حُرْمَةُ الْجِمَاعِ الْمُفَوِّتِ لِلرُّكْنِ وَهُوَ الْكَفُّ بِالنَّهْيِ الثَّابِتِ بِالْأَمْرِ ضِمْنًا لَا مَقْصُودًا، ضَرُورَةَ بَقَاءِ الرُّكْنِ، وَالضَّرُورِيُّ لَا يَتَعَدَّى عَنْ مَحَلِّهِ فَبَقِيَتْ الدَّوَاعِي عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الْحِلِّ. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّهْيَ الضِّمْنِيَّ لَا يَقْتَضِي حُرْمَةَ الدَّوَاعِي وَالْقَصْدِيَّ يَقْتَضِيهَا، وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالنَّهْيِ عَنْ الْوَطْءِ حَالَةَ الْحَيْضِ، فَإِنَّهُ قَصَدَ إلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ﴾ وَلَمْ تَحْرُمْ الدَّوَاعِي.

وَأُجِيبَ: بِأَنَّهَا لَمْ تَحْرُمْ فِيهَا لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى الْحَرَجِ بِكَثْرَةِ وُقُوعِ الْحَيْضِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُجَابَ أَيْضًا بِأَنَّ مَبْنَى الْكَلَامِ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَى مَا عَرَفْت مِنْ تَفْسِيرِهِ هُوَ الَّذِي يَتَعَدَّى، وَالْوَطْءُ حَالَةَ الْحَيْضِ لَيْسَ كَذَلِكَ، هَذَا، وَلَيْسَ وَرَاءَ عَبَّادَانَ قَرْيَةٌ. وَقَوْلُهُ (فَإِنْ جَامَعَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا) يَعْنِي أَنْزَلَ أَوْ لَمْ يُنْزِلْ (بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ اللَّيْلَ مَحَلُّ اعْتِكَافٍ بِخِلَافِ الصَّوْمِ) فَإِنَّ اللَّيْلَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الِاعْتِكَافُ فَرْعٌ عَنْ الصَّوْمِ وَالْفَرْعُ

<<  <  ج: ص:  >  >>