للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) لِأَنَّ صَوْمُ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةِ شَرِيعَتِنَا لَكِنَّهُ يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا.

(وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ)

بِالْأَشْهُرِ لِأَنَّهُ فِيهَا أَشَدُّ حُرْمَةً. وَقَوْلُهُ (وَيُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ) قِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَنْذِرَ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا كَمَا كَانَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَنَا. وَقِيلَ: أَنْ يَصْمُتَ وَلَا يَتَكَلَّمَ أَصْلًا مِنْ غَيْرِ نَذْرٍ سَابِقٍ. وَقِيلَ: مَعْنَاهُ أَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ الْمَعْهُودَ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ زِيَادَةِ نِيَّةِ أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِلتَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ صَوْمَ الصَّمْتِ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ) فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى عَنْ صَوْمِ الْوِصَالِ وَصَوْمِ الصَّمْتِ» فَقَالَ الرَّاوِي وَهُوَ زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ: قُلْت لِأَبِي حَنِيفَةَ: مَا صَوْمُ الصَّمْتِ؟ قَالَ: أَنْ يَصُومَ وَلَا يُكَلِّمَ أَحَدًا فِي يَوْمِ الصَّوْمِ. وَقَوْلُهُ (يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا) أَيْ إثْمًا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ يُكْرَهُ لَهُ الصَّمْتُ. لَا يُقَالُ فِي عِبَارَتِهِ تَسَامُحٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَلَا يَتَكَلَّمُ إلَّا بِخَيْرٍ، يَقْتَضِي حَصْرَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بِخَيْرٍ.

وَقَوْلُهُ (يَتَجَانَبُ مَا يَكُونُ مَأْثَمًا) يَقْتَضِي جَوَازَ التَّكَلُّمِ بِمَا هُوَ مُبَاحٌ، وَذَلِكَ تَنَاقُضٌ. لِأَنَّا نَقُولُ مَا لَيْسَ بِمَأْثَمٍ فَهُوَ خَيْرٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْخَيْرَ عِبَارَةٌ عَنْ الشَّيْءِ الْحَاصِلِ لِمَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يَكُونَ حَاصِلًا لَهُ إذَا كَانَ مُؤَثِّرًا. وَالتَّكَلُّمُ بِالْمُبَاحِ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ كَذَلِكَ.

وَقَوْلُهُ (وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ الْوَطْءُ) يَحْتَاجُ إلَى تَأْوِيلٍ، لِأَنَّ الْمُعْتَكِفَ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا يَتَهَيَّأُ لَهُ الْوَطْءُ، وَأَوَّلُوهُ بِأَنَّهُ جَازَ لَهُ الْخُرُوجُ لِلْحَاجَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ الْوَطْءُ، لِأَنَّ اسْمَ الْمُعْتَكِفِ لَا يَزُولُ عَنْهُ بِذَلِكَ الْخُرُوجِ. وَذَكَرَ فِي شَرْحِ التَّأْوِيلَاتِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَخْرُجُونَ وَيَقْضُونَ حَاجَتَهُمْ فِي الْجِمَاعِ ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ فَيَرْجِعُونَ إلَى مُعْتَكَفِهِمْ، فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى

<<  <  ج: ص:  >  >>