للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى صحيح البخارى ومسلم فى حديث المبعث عن عائشة، رضى الله عنها، أن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جاءه جبريل وهو يتعبد فى غار حراء، فأخذه فغطه ثم أرسله، فقال: اقرأ، ثم غطه ثانية وثالثة يقول له مثل ذلك، ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق: ١ - ٥] .

وفى صحيح مسلم عن ابن مسعود فى قول الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣] ، قال: رأى جبريل فى صورته له ستمائة جناح. وعن مسروق، قال: قلت لعائشة، رضى الله عنها: ألم يقل الله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ} [التكوير: ٢٣] ، {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى} [النجم: ١٣] ؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: “إنما هو جبريل، لم أره على صورته التى خلق عليها غير هاتين المرتين، رأيته منهبطًا من السماء سادًا عظم خلقته ما بين السماء والأرض”.

وفى صحيح مسلم، عن مسروق أيضًا، قال: قلت لعائشة، رضى الله عنها: قوله تعالى: {ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النجم: ٨، ٩] ، فقالت: إنما ذلك جبريل، كان يأتيه فى صورة الرجال، وإنه أتاه هذه المرة فى صورته التى هى صورة، فسد أفق السماء.

وفى صحيحى البخارى ومسلم، عن عائشة، أن الحارث بن هشام سأل رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحى؟ فقال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “أحيانًا يأتينى مثل صلصلة الجرس، وهو أشده علىَّ، فيفصم عنى وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانًا يتمثل لى الملك رجلاً، فيكلمنى فأعى ما يقول” (١) ، قالت عائشة: ولقد رأيته ينزل عليه الوحى فى اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد عرقًا. قال أهل اللغة: الفصم القطع بغير إبانة، ومعناه: يفارقنى على أنه يعود.

وفى صحيحيهما عن ابن عباس، قال: كان رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود الناس، وكان أجود ما يكون فى رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه فى كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجود بالخير من الريح المرسلة.

وفى صحيح البخارى عن ابن عباس، قال: قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لجبريل: “ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ ”، فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} [مريم: ٦٤] . وفى البخارى عن البراء، قال: قال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لحسان: “اهجهم”، قال: أوهاجهم وجبريل معك؟!.

وفى الصحيحين فى حديث الإسراء: صعود رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجبريل إلى السموات السبع، وأن جبريل يتفتح فى باب كل سماء، فيقال: من هذا؟ فيقول: جبريل، فيقال: ومن معك؟ فيقول: محمد، فيفتح. وفى الصحيح أن الله تعالى إذا أحب عبدًا نادى: يا جبريل، إنلا أحب فلانًا فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادى جبريل فى السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول فى الأرض. والأحاديث الصحيحة المتعلقة بعظم فضل جبريل كثيرة مشهورة.

وكان يأتى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى صورة دحية الكلبى، ورأته الصحابة حين جاء فى صورة رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه أحد، فسأل النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وهم يرونه ويسمعونه عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، والساعة وأمارتها، ثم خرج فطلبوه فى الحال فلم يجدوه، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “


(١) حديث عائشة: أخرجه مالك (١/٢٠٢، رقم ٤٧٥) ، وأحمد (٦/١٥٨، رقم ٢٥٢٩١) ، والبخارى (٣/١١٧٦، رقم ٣٠٤٣) ، ومسلم (٤/١٨١٦، رقم ٢٣٣٣) ، والترمذى (٥/٥٩٧، رقم ٣٦٣٤) ، وقال: حسن صحيح. والنسائى (٢/١٤٧، رقم ٩٣٤) ، والطبرانى (٣/٢٥٩، رقم ٣٣٤٥) وأبو عوانة (كما فى إتحاف الخيرة ٦/١٣١/ب _ مخطوط) . وأخرجه أيضًا: الحميدى (١/١٢٤، رقم ٢٥٦) ، وابن راهويه (٢/٢٥٢، رقم ٧٥٤) ، وعبد بن حميد= = (ص ٤٣٣، رقم١٤٩٠) ، وابن خزيمة فى التوحيد (ص ١٤٩) ، وابن حبان (١/٢٢٥، رقم ٣٨) .
حديث عائشة عن الحارث: أخرجه الطبرانى (٣/٢٥٩، رقم ٣٣٤٣) ، والحاكم (٣/٣١٤، رقم ٥٢١٣) ..

<<  <  ج: ص:  >  >>