استدل أصحابنا على عظم علمه بقوله، رضى الله عنه، فى الحديث الثابت فى الصحيحين أنه قال: والله لأقتلن من فرَّق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لقاتلتهم على منعه. واستدل الشيخ أبو إسحاق بهذا وغيره فى طبقاته على أن أبا بكر الصديق، رضى الله عنه، أعلم الصحابة؛ لأنهم كلهم وقفوا عن فهم الحكمة من المسألة إلا هو، ثم ظهر لهم بمباحثته لهم أن قوله هو الصواب، فرجعوا إليه.
وروينا عن ابن عمر أنه سُئل: من كان يفتى الناس فى زمن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ فقال: أبو بكر، وعمر، وما أعلم غيرهما. وقد سبق قريبًا حديث أبى سعيد فى الصحيحين، قال: وكان أبو بكر أعلمنا.
وروينا عن عائشة، رضى الله عنها، قالت: كان لأبى بكر الصديق غلام يخرج له الخراج، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يومًا بشىء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدرى ما هذا؟ قال أبو بكر: وما هذا؟ قال: كنت تكهنت لإنسان فى الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أنى خدعته، فلقينى فأعطانى لذلك هذا الذى أكلت منه، فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شىء فى بطنه. رواه البخارى. والخراج: شىء يجعله السيد على عبده يؤديه إلى السيد كل يوم، وباقى كسبه يكون للعبد، وكان رضى الله عنه إذا مدح يقول: اللهم أنت أعلم بى من نفسى، وأنا أعلم بنفسى منهم، اللهم اجعلنى خيرًا مما يظنون، واغفر لى ما لا يعلمون، ولا تؤاخذنى بما يقولون.
وقيل له فى مرضه: ألا ندعوا لك طبيبًا؟ قال: قد نظر إلىَّ، قالوا: ما قال لك؟ قال: قال: إنى فعَّال لما أريد.
وروينا فى تاريخ دمشق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفًا، فأنفقها فى سبيل الله.
وفيه عن خبيب، بضم الخاء المعجمة، عن عبد الرحمن، عن عمته أنيسة، قالت: نزل فينا أبو بكر سنتين قبل أن يُستخلف وسنة بعد استخلافه، فكان