أصحابنا يذكرونه فى أول كتاب النكاح؛ لأن خصائصه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فى النكاح أكثر من غيرها، وقد جمعتها فى الروضة مستقصًا ولله الحمد، وهذا الكتاب لا يحتمل بسطها، فأشير فيه إلى مقاصدها مختصرة إن شاء الله تعالى. قال أصحابنا: خصائصه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أربعة أضرب:
الأول: ما اختص به - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من الواجبات: قالوا: والحكمة فيه زيادة الزلفى والدرجات العلى، فلم يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم، كما صرح به الحديث الصحيح، ونقل إمام الحرمين عن بعض أصحابنا أن ثواب الفرض يزيد على ثواب النفل بسبعين درجة، واستأنسوا فيه بحديث، فمن هذا الضرب صلاة الضحى، ومنه الأضحية، والوتر، والتهجد، والسواد، والمشاورة.
والصحيح عند أصحابنا أنها واجبات عليه، وقيل: سُنن، والأصح عند أصحابنا أن الوتر غير التهجد، والصحيح أن التهجد نسخ وجوبه فى حقه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما نسخ فى حق الأمة، وهذا هو المنصوص للشافعى، رحمه الله. قال تعالى:{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ}[الإسراء: ٧٩] ، وفى صحيح مسلم عن عائشة ما يدل عليه.
ومنه وجوب مصابرته العدو، وإن كثروا وزادوا على الضعف. ومنه قضاء دين من مات وعليه دين، لم يخلف وفاء، وقيل: كان يقضيه تكرمًا لا وجوبًا، والأصح عند أصحابنا أنه كان واجبًا. وقيل: يجب عليه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا رأى شيئًا يعجبه أن يقول: لبيك إن العيش عيش الآخرة، ومن هذا الضرب فى النكاح أنه أوجب عليه تخيير نسائه بين مفارقته واختياره.
وقال بعض أصحابنا: كان هذا التخيير مستحبًا، والصحيح وجوبه، فلما خيرهن اخترنه والدار الآخرة، فحرم عليه التزوج عليهن والتبدل بهن مكافأة لهن على حسن صنيعهن، قال الله تعالى:{لاَ يَحِلُّ لَكَ النِّسَاء مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ}[الأحزاب: ٥٢] ، ثم نسخ لتكون المنة لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بترك التزوج عليهن، فقال تعالى:{إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِى آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ}[الأحزاب: ٥٠] الآية. واختلف أصحابنا هل حرم طلاقهن بعد الاختيار؟ فالأصح أنه لم يحرم وإنما حرم التبدل، وهو غير مجرد الطلاق.