للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا الكلام قبل أن يعلم أنه أفضل، فلما علم قال: “أنا سيد ولد آدم” (١) ، ويحتمل أن يكون قاله تواضعًا، ويحتمل أن يكون نهى عن تخيير يؤدى إلى الخصومة والفتنة، ويحتمل أن النهى عن تخيير يؤدى إلى الإزراء ببعضهم، ويحتمل لا تخيرونى فى نفس النبوة، فإنها لا تتفاوت، وإنما الفضائل بأمور أخرى معها، وهذه الأوجه الخمسة مقولة فى قوله: “لا تخيروا” بين الأنبياء، وفى الصحيحين مثله أو نحوه عن أبى سعيد الخدرى.

وفى الصحيحين عن ابن عباس، عن النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: “عُرِضَتْ علىَّ الأمم، فرأيت سوادًا كبيرًا سد الأفق، فقيل: هذا موسى فى قومه” (٢) .

وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مرَّ ليلة أسرى به على موسى فى السماء السادسة، وأنه قال لرسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين فرض الله تعالى عليه وعلى أمته خمسين صلاة كل يوم وليلة: “أما ترجع فتسأل الله التخفيف” (٣) ، فمازال يقول له حتى جعلها خمسًا.

وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وصف موسى، فقال: “هو آدم، طوال، جعد كأنه من رجال شنؤة” (٤) .

وفى الصحيحين أن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حين مرَّ بوادى الأزرق، وهو موضع بين مكة والمدينة، قال: “كأنى أنظر إلى موسى هابطًا من الثنية وله جؤار إلى الله تعالى بالتلبية”. وفى رواية: “واضعًا أصبعيه فى أذنيه له جؤار إلى الله تعالى بالتلبية”. وفى رواية: “على جمل أحمر مخطوم بخلبة” (٥) ، والخلبة بضم الخاء المعجمة، الليف.

قال أبو إسحاق الثعلبى فى كتابه العرائس: هو موسى بن عمران بن يصهر بن قاهت بن لاوى بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليه السلام. وكان عُمر عمران حين توفى مائة وسبعًا وثلاثين سنة. قال: قال أهل التاريخ: لما مات الريان بن الوليد، وهو فرعون مصر الأول، صاحب يوسف الذى ولاه خزائن الأرض وأسلم على يديه، ملك بعده جبار وأبى أن يُسلم، ثم مات فملك بعده جبار آخر، وتوفى يوسف، وأقامت بنو إسرائيل بمصر، وقد كثروا ونشأ لهم ذرية وهم تحت أيدى العمالقة، وهم على بقايا من دينهم الذى كان يوسف ويعقوب وإسحاق وإبراهيم، عليهم السلام، شرعوه لهم متمسكين، حتى كان فرعون موسى الذى بعثه الله تعالى إليه، ولم يكن فى الفراعنة أعتا منه، ولا أقسى قلبًا منه، ولا أطول عمرًا فى الملك منه، ولا أسوأ ملكة لبنى إسرائيل، وكان يعذبهم ويستعبدهم، وجعلهم خدمًا وخولا، وعاش فيهم أربع ومائة سنة.

ولما ولد موسى جرى له مع فرعون


(١) أخرجه ابن أبى شيبة (٦/٣١٧، رقم ٣١٧٢٨) ، ومسلم (٤/١٧٨٢، رقم ٢٢٧٨) ، وأبو داود (٤/٢١٨، رقم ٤٦٧٣) . وأخرجه أيضًا: أحمد (٢/٥٤٠، رقم ١٠٩٨٥) .
(٢) حديث ابن عباس: أخرجه أحمد (١/٢٧١، رقم ٢٤٤٨) ، والبخارى (٥/٢١٧٠، رقم ٥٤٢٠) ، ومسلم (١/١٩٩، رقم ٢٢٠) . وأخرجه أيضًا: الترمذى (٤/٦٣١، رقم ٢٤٤٦) وقال: حسن صحيح. والنسائى فى الكبرى (٤/٣٧٨، رقم ٧٦٠٤) ، وابن حبان (١٤/٣٣٩، رقم ٦٤٣٠) .
حديث عمران بن حصين: أخرجه الطبرانى (١٨/٢٤١، رقم ٦٠٥) . وأخرجه أيضًا: ابن حبان (١٣/٤٥٤، رقم ٦٠٨٩) .
(٣) أخرجه أحمد (٣/١٤٨، رقم ١٢٥٢٧) ، ومسلم (١/١٤٥، رقم ١٦٢) ، وأبو يعلى (٦/١٠٩، رقم ٣٣٧٥) ، وفى (٦/٢١٦، رقم ٣٤٩٩) . وأخرجه أيضًا: ابن أبى شيبة (٧/٣٣٣، رقم ٣٦٥٧٠) ، وأبو عوانة (١/١١٣، رقم ٣٤٤) .
(٤) أخرجه أحمد (١/٣٤٢، رقم ٣١٧٩) ، والبخارى (٣/١١٨٢، رقم ٣٠٦٧) ، ومسلم (١/١٥١، رقم ١٦٥) .
(٥) أخرجه أحمد (١/٢١٥، رقم ١٨٥٤) ، ومسلم (١/١٥٢، رقم ١٦٦) .
أخرجه أحمد (١/٢٧٦، رقم٢٥٠١) ، والبخارى (٣/١٢٢٤، رقم ٣١٧٧) ، ومسلم (١/١٥٣، رقم ١٦٦) . وأخرجه أيضًا: البيهقى (٥/١٧٦، رقم ٩٦١٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>