ولما طال دعاؤه لهم وإيذائهم له وتماديهم فى غيهم، سأل الله تعالى، فأوحى الله إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، فلما أخبر أنه لم يبق فى الأصلاب ولا فى الأرحام مؤمن، دعا عليهم، فقال:{رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا}[نوح: ٢٦] إلى آخرها.
فأمره الله باتخاذ السفينة، فقال: يا رب، وأين الخشب؟ فقال: اغرس الشجر، فغرس الساج، وأتى على ذلك أربعون سنة، وكف عن الدعاء عليهم، وأعقم الله أرحام نسائهم، فلم يولد لهم ولد، فلما أدرك الشجر أمره الله تعالى بقطعه وتجفيفه وصنعه الفلك، وأعلمه كيف يصنعه، وجعل بابه فى جنبه، وكان طول السفينة ثمانين ذراعًا، وعرضها خمسين، وسمكها إلى السماء ثلاثين ذراعًا، والذراع إلى المنكب. وعن ابن عباس أن طولها ستمائة وستون ذراعًا، وعرضها ثلاثمائة وثلاثون ذراعًا، وسمكها ثلاثة وثلاثون ذراعًا.
وأمر الله تعالى أن يحمل فيها من كل زوجين اثنين من الحيوان، وحشرها الله تعالى إليه من البر والبحر. قال مجاهد وغيره: كان التنور الذى ابتدأ الفوران منه فى الكوفة، ومنها ركب نوح السفينة. وقال مقاتل: هو بالشام بقرية يقال لها: عين الوردة، قريب من بعلبك. وعن ابن عباس أنه بالهند.
قالوا: وأول ما حمل فى السفينة من الدواب الذرة، وآخره الحمار، وجعل السباع والدواب فى الطبقة السفلى، والوحوش فى الطبقة الثانية، والذر والآدميين فى الطبقة العليا.
قيل: كان الآدميون الذين فى السفينة سبعة: نوح وبنوه: سام، وحام، ويافث، وأزواج بنيه، وقيل: ثمانية، وقيل: عشرة، وقيل: اثنان وسبعون، وقيل: ثمانون من الرجال والنساء، حكاه ابن عباس.
وعن ابن عباس أن الماء ارتفع حين سارت السفينة على أطول جبل فى الأرض خمسة عشر ذراعًا. قالوا: وطافت السفينة بأهلها الأرض كلها فى ستة أشهر، ثم استقرت على الجودى، وهو جبل بأرض الموصل، وكان ركوبهم السفينة لعشر خلون من رجب، ونزلوا منها يوم عاشوراء من المحرم، وبنى هو ومن معه فى السفينة حين نزلوا البنار بباقردى من أرض الجزيرة.