للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس يصح فى الأذهان شىء ... إذا احتاج النهار إلى دليل

وأما سخاؤه، وشجاعته، وكمال عقله، وبراعته، فإنه مما اشترك الخواص والعوام فى معرفته، فلا أستدل عليه لشهرته، وكل هذا مشهور فى كتب المناقب مروى من طرق. ومن ذلك ما جاء فى الحديث المشهور: "إن عالم قريش يملأ طباق الأرض علمًا" (١) ، وحمله العلماء المتقدمون والمتأخرون على الشافعى، رحمه الله، واستدلوا له بأنه لم ينقل عن الصحابة، رضى الله عنهم، إلا مسائل معدودة إذ كانت فتاويهم مقصورة على الوقائع، بل كانوا ينهون عن السؤال عما لم يقع، وكانت همتهم مصروفة إلى جهاد الكفار لإعلاء كلمة الإسلام، وإلى مجاهدة النفوس والعبادة، فلم يتفرغوا للتصنيف، وكذلك التابعون لم يصنفوا، وأما من جاء بعدهم وصنف الكتب، فلم يكن فيهم قرشى يتصف بهذه الصفة قبل الشافعى ولا بعده إلا هو.

وقد قال الساجى، رحمه الله، فى أول كتابه المشهور فى اختلاف العلماء: إنما بدأت بالشافعى قبل جميع الفقهاء وقدمته عليهم، وإن كان فيهم أقدم منه؛ اتباعًا للسنة، فإن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "قدموا قريشًا وتعلموا من قريش" (٢)

) . وقال الإمام أبو نعيم عبد الملك بن محمد بن عدى الإستراباذى صاحب الربيع بن سليمان المرادى: فى هذا الحديث علامة بينة، إذا تأمله الناظر المميز علم أن المراد به رجل من علماء هذه الأمة من قريش، ظهر علمه وانتشر فى البلاد، وكتب كما يكتب المصاحف، ودرسه المشايخ والشبان فى مجالسهم، وأجروا أقاويله فى مجالس الحكام، والأمراء، والقراء، وأهل الآثار، وغيرهم. قال: وهذه صفة لا نعلمها فى أحد غير الشافعى. قال: فهو عالم قريش الأفضل الذى دون العلم، وشرح الأصول والفروع، ومهد القواعد. قال البيهقى بعد روايته كلام أبى نعيم: وإلى هذا ذهب أحمد بن حنبل فى تأويل الخبر.

ومن ذلك مصنفات الشافعى، رحمه الله، فى الأصول والفروع التى لم يسبق إليها كثرة وحسنًا، وهى كثيرة مشهورة، كالأم فى نحو خمسة عشر مجلدًا، وهو مشهور، وجامعى المزنى الكبير والصغير، ومختصريه، ومختصر الربيع، والبويطى، وكتاب


(١) أخرجه ابن عساكر (٥٨/٣٧٩) .
(٢) أخرجه الشافعى (١/٢٧٨) . حديث عبد الله بن السائب: أخرجه أيضًا: ابن أبى عاصم (٢/٦٣٧، رقم ١٥١٩) . قال المناوى (٤/٥١٢) : فيه أبو معشر قالوا ضعيف.
حديث أنس: أخرجه أبو نعيم (٩/٦٤) .

أخرجه البيهقى (٣/١٢١، رقم ٥٠٨٠) . وأخرجه أيضا: عبد الرزاق عن معمر فى الجامع (١١/٥٤، رقم ١٩٨٩٣) ، وابن أبى شيبة (٦/٤٠٢، رقم ٣٢٣٨٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>