سبعة كانوا يعذبون فى الله تعالى، منهم بلال، وعمار. وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، ومألفاهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، ولم يزل مترقيًا فى معارفه متزايدًا فى محاسنه حتى توفى. وصحب النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من حين أسلم إلى أن توفى رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلم يفارقه فى حضر ولا سفر.
وثبت فى الصحيحين عن عائشة، قالت: لم أعقل أبوى إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - طرفى النهار بكرة وعشيا، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو الحبشة.
وذكرت الحديث ورجوعه من الطريق إلى النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، إلى أن قالت: فبينما نحن يومًا جلوس فى بيت أبى بكر بحر الظهيرة، قال قاتئل لأبى بكر: هذا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - متقنعًا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداك أبى وأمى، ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاستأذن فأذن له فدخل، فقال النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأبى بكر: “أخرج مَنْ عندك”، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: “فإنى قد أُذِنَ لى فى الخروج”، فقال أبو بكر: الصحابة، أى أسألك الصُّحْبَة، بأبى أنت يا رسول الله، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “نعم”، قال أبو بكر: فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين، قال رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: “بالثمن”.
قالت عائشة، فجهزناهما أحب الجهاز، ووضعنا لهما سفرة فى جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق، وفى رواية: ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبو بكر بغار فى جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شابق ثقف، ثم ذكرت تمام الحديث فى خروجهما إلى المدينة، ولحاق سراقة بن مالك بهما، وارتطام فرسه به فى جلد من الأرض.
وهاجر، رضى الله عنه، مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وترك عياله، وأولاده وماله، رغبة فى طاعة الله تعالى ورسوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأقام مع رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثلاثة أيام، وخبر الغار مشهور. قال الله تعالى:{ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا}[التوبة: ٤٠] . وكان النبى - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يكرمه ويجله، ويعرف