من أصحابنا، تكرر فى المهذب والوسيط والروضة. هو أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبى اليمان الكلبى البغدادى الإمام الجليل، الجامع بين علمى الحديث والفقه، أحد الأئمة المجتهدين، والعلماء البارعين، والفقهاء المبرزين المتفق على إمامته، وجلالته، وتوثيقه، وبراعته.
قال الخطيب البغدادى: هو أحد ثقات المأمونين، ومن الأئمة الأعلام فى الدين. قال: له كُتب مصنفة فى الأحكام، جمع فيها بين الفقه والحديث. وروينا عن الإمام أحمد ابن حنبل، قال: أبو ثور عندى فى صلاح سفيان الثورى. قال: وأنا أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة. وسُئل الإمام أحمد بن حنبل عن مسألة، فقال: سل الفقهاء، سل أبا ثور. واعلم أن أحواله الجميلة، ومناقبه الظاهرة، وفضائله ومحاسنة المتظاهرة أكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تشهر.
سمع الحديث من ابن عيينة، وابن علية، ووكيع، وأبى معاوية الضرير، والشافعى، وموسى بن داود، ومحمد بن عبيد الطنافسى، ويزيد بن هارون، ومعاذ بن معاذ، وآخرين. روى عنه أبو حاتم الرازى، ومسلم بن الحجاج، وأكثر عنه فى صحيحه، وأبو داود، والترمذى، وابن ماجة، وعبيد بن محمد بن خلف، والقاسم بن زكريا، وإدريس ابن عبد الكريم، وآخرون. واتفقوا على توثيقه وجلالته.
قال النسائى: هو ثقة مأمون، أحد الفقهاء. قالوا: وتوفى فى صفر سنة أربعين ومائتين، رحمه الله.
واعلم أن أبا ثور، رحمه الله، كان بالجلالة التى أشرت إليها، وكان أولاً على مذهب أهل الرأى، فلما قدم الشافعى، رضى الله عنه، بغداد حضره أبو ثور، فرأى من علمه وفضله وحسن طريقته وجمعه بين الفقه والسنة ما صرفه عما كان عليه، ورده إلى طريقة الشافعى، ولازم الشافعى، وصار من أعلام أصحابه، وهو أحد أصحاب الشافعى البغداديين الأئمة الجلة، رواة كتاب الشافعى القديم، وهم أحمد بن حنبل، وأبو ثور، والكرابيسى، والزعفرانى، رحمهم الله أجمعين.
ومع هذا الذى ذكرته من كون أبى ثور من أصحاب الشافعى، وأحد تلامذته والمنتفعين به، والآخذين عنه، والناقلين كتابه وأقواله، فهو صاحب مذهب مستقل، لا يُعد تفرده وجهًا فى المذهب بخلاف أبى القاسم الأنماطى، وابن سريج،