حتى جاءه صالح، فقال: إلي يا مولانا فرمى السيف من يده، فلما رماه تقربوا منه وأخذه صالح فقيده بالقيد الذي كان في رجله.
وكان بين هرب صالح وأسره مرتضى الدولة أحد وأربعون يوماً. ورأى صالح أنه لا قدرة له على أخذ البلد لضبطه بأبي الجيش، فرأى
أن يوقع الصلح، فتراسلوا في ذلك، وأشركوا أبا الجيش في تقرير ذلك، فخرج مشاريخ من أهل حلب من أبي الجيش في حديث الصلح وتقريره.
فلما وصلوا إلى صالح سلموا عليه غير هائبين له ولا مبخلين، لقرب عهدهم برؤيته أسيراً حقيراً، وكلموه بكلام جاف، وراددوه في شروط شرطها عليهم، فأحس منهم بذلك، فقال لهم: قبل أن نتفرق بيننا أمر، اجتمعوا بأميركم، وشاوروه فيما تتحدثون به معي من الشروط.
قال: فقاموا، ودخلوا على مرتضى الدولة، وفيهم الشاهدان الفذان شهدا على صالح بطلاق طرود، فوجدوا مرتضى الدولة على أقبح صورة مكشوف الرأس، على قطعة من كساء خلق، والقيد قد أثر في ساقيه فاحتقروه، وعظم صالح في أعينهم، فهنأوه بالسلامة، فقال: سلامة العطب أصلح منها، ثم قال: إن الأمير صالح يطلب مني طلاق طرود، فاشهدوا علي أنها طالق، ويطلب مني تسليم حلب، ولست الآن مالكها فدبروا الأمر على حسب ما ترونه ويستصوبه أخي أبو الجيش، الذي هو الآن المستولي على القلعة والمدينة.
فلم يزالوا يترددون بينهما ويدخلون إلى حلب، ويشاورون أبا الجيش إلى أن استقر الأمر مع صالح بعد التضرع إليه وسؤاله باللطف في كلام خلاف ما بدأوه به على أن يطلق منصور على أن يحمل إليه خمسين ألف دينار عيناً ومائة وعشرين رطلاً بالحلبي فضة، وخمسمائة قطعة ثياب أصنافاً مختلفة، ويطلق جميع من في الحبوس من بني كلاب وحرمهم، وأن يقاسمه
باطن حلب وظاهرها شطرين، ويجعل ارتفاع ذلك نصفين، وأن يزوجه مرتضى الدولة بابنته.
فأجاب إلى ذلك ووقعت اليمين عليه، وأخرج إلى صالح أمه بجيلا وزوجته أم