استدعاه، وأسرع السير إلى أن وصل أنطاكية ليلاً، فقتل أهل ضيعة تعرف بالعمرانية جميعهم لئلا ينذروا به، وعلقوا حبالاً في شرفات السور بالرماح، وطلعوا مما يلي باب فارس، وحين صار منهم على السور جماعة نزلوا إلى باب فارس وفتحوه ودخل هو وعسكره من الباب وأغلقوه، وكانوا مائتين وثمانين رجلاً، وذلك يوم الأحد العاشر من شعبان، وقيل يوم الجمعة الثامن، ولم يشعر بهم أهل البلد إلى الصباح.
وصاح الأتراك صيحة واحدة فتوهم أهل أنطاكية أنه عسكر الفلاردوس حتى قاتلوهم فانهزموا وعلموا أن البلد قد هجم فبعضهم هرب إلى القلعة وبعضهم رمى بنفسه من السور فنجا.
واستقل سليمان عسكره فوصل إليه ابن منجاك في ثلاثمائة فارس، ولم يزل عسكره يتواصل حتى قوي، فأمن الناس وردهم إلى دورهم، ورد أكثر السبي وصلى المسلمون يوم الجمعة خامس عشر شعبان في القسيان، وأذن فيه ذلك اليوم مائة وعشرة من المؤذنين وخلق كثير من أهل الشام.
وكان يوم فتحها أول يوم من كانون الأول، وكان فتح الروم لها أول ليلة من كانون الثاني لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي الحجة من سنة ثمان وخمسين وثلاثمائة.
ووجد خط بعض المنجمين وهو ابن أخت الصابي على ظهر كتاب عند القاضي أبي الفضل بن أبي جرادة يقول:" ذكر المخبر عن أخذ مدينة أنطاكية أن دخول العدو يعني الروم إليها في وقت كذا وكذا من الليل، فإن صح قول المخبر فإنها تثبت في أيدي الروم مائة وتسع عشرة سنة ".
وكان قد وقف على هذا الخط محمود بن نصر بن صالح، وقد ذكر في مجلسه، وأظن ذلك حين نزل الأفشين التركي على أنطاكية، وخاف محمود من أن يملك أنطاكية فلم يتفق فتحها حينئذ، وكان الأمر كما ذكر المنجم، ففتحها سليمان ابن قطلمش عند تمام المدة.
وأقام سليمان بن قطلمش يحاصر قلعة أنطاكية إلى الثاني عشر من شهر رمضان