من السنة وفتحها بالأمان ليقيها من القتل والسبي ونهب الترك من أنطاكية ما يفوت الإحصاء ويزيد عن الوصف وسكنها سليمان بعسكره وفتح الحصون المجاورة لها، بعضها عن طوع وبعضها عن استدراج.
وصار لسليمان من نيقية إلى طرابلس، وملك الثغور الشامية، وكان حسن السيرة في جنده وعسكره جواداً بماله، فمال إليه الناس لذلك ولما فتح أنطاكية أهدى إلى شرف الدولة من الغنيمة هدية حسنة ولما استقر حال شرف الدولة مع ملك شاه واطمأن عاد إلى القادسية، وناصف الجند في أرزاقهم، ونقصها عليهم، فصار أكثرهم إلى سليمان، وتركوه، فأقطعهم، وأحسن إليهم وسبب لهم أرزاقاً تكفيهم.
وكان جماعة من أصحاب بني مرداس يخافون شرف الدولة وهم متفرقون في الشام فصاروا إليه.
وكان من ضياع أنطاكية وأعمالها مواضع عدة تغلب محمود والأتراك عليها، وقبضوها من الروم لضعفهم، وصارت في أعمال حلب، فقبضها سليمان وأقطعها وغيرها مما يجاور أعمال أنطاكية.
وكان الشريف حسن الحتيتي رئيس حلب وغيره من أصحاب شرف الدولة خافوا منه لما استقر حاله مع السلطان أن يتم له الصلح مع ابن
قطلمش فيتفرغ لهم ويقبضهم، ويستأصل أموالهم، فتوصلوا إلى المفاسدة بينهما بمن صار في حلته من أهل الشام ليشتغل عنهم شرف الدولة وكان لأبي المكارم على أنطاكية يحملها الروم إليه فطمع بها من سليمان فلم يجبه إلى ذلك وقال: تلك جزية كانت على الروم لتمسك عن جهادهم، وقد قمت أنا بفريضة الجهاد، وصارت أنطاكية للمسلمين فكيف أؤدي عنها إليك جزية؟ ففسد ما بينهما لذلك.
وسار شبيب بن محمود ومنصور بن الدوح وجماعة من بني كلاب إلى أنطاكية، وحضروا عند سليمان، ووعدهم ووعدوه بما لم يقبح من بعضهم لبعض،