ووصل في هذه السنة ملك الروم كالياني من القسطتطينية في جموعه، ووصل إلى أنطاكية فخالفه الفرنج لطفاً من الله تعالى وأقام إلى أن وصلته مراكبه البحرية بالأثقال والميرة والمال، فاعتمد لاون بن روبال صاحب الثغور في حقه فتحاً عظيماً.
وتخوف أهل حلب منه فشرعوا في تحصينها وحفر خنادقها، فعاد إلى بلاد لاون فافتتحها جميعها، فدخل إليه لاون متطارحاً، فقال: أنت بين الفرنج والأتراك لا يصلح لك المقام. فسيره إلى القسطنطينية، وأقام في عين زربة وأذنة والثغور، مدة الشتاء.
وكان في عوده عن أنطاكية إلى ناحية بغراس في الثاني والعشرين من ذي الحجة من سنة إحدى وثلاثين، أنفذ رسوله إلى زنكي، وظفر سوار بسرية وافرة العدد من عسكره، فقتل وأسر، ودخل بهم إلى حلب.
ووصل الرسول إلى زنكي، وهو متوجه إلى القبلة فرده ومعه هدية إلى ملك الروم فهود وبزاة وصقور على يد الحاجب حسن، فعاد إليه ومعه رسول منه وأخبره بأنه يحاصر بلاد لاون، فسار إلى حماة، ورحل إلى حمص فقاتلها.
ثم سار في نصف المحرم من سنة اثنتين وثلاثين فنزل بعلبك، وأخذ منها مالاً، وسار إلى ناحية البقاع فملك حصن المجدل من أيدي الدمشقيين، ودخل في طاعته إبراهيم بن طرغت والي بانياس.
وشتى أتابك زنكي بأرض دمشق، وورد عليه رسول الخليفة المقتفي والسلطان مسعود بالتشريف، ثم رحل أتابك عن دمشق في شهر ربيع الآخر، وعاد إلى حماة، ثم رحل عنها إلى حمص، فخيم عليها، وجرد من حلب رجالاً لحصارها، وجمع عليها جموعاً كثيرة، وهجم المدينة، وكسر أهلها ونال منهم منالاً عظيماً.