وكان الصلح قد انفسخ، بموت الملك الصالح، بين الفرنج والمسلمين. وكانت شيح الحديد مناصفة بين المسلمين والفرنج، فأضافها عسكر حلب، قبل وصول عز الدين إلى الدربساك واختصوا بها دون الفرنج، وحضر أهلها إلى طمان، فأعطاهم الأمان.
فلما وصل عز الدين، سير العساكر إلى ناحية لاحارم، وحاولوا نهب العمق فانحاز أهله كلهم إلى شيح لعلمهم بأن طماناً أمنهم، فأراد عسكر الموصل أن ينهبوها، فقال لهم: إن شيح لحلب، وإنهم في أماني. فلم يتلفتوا إلى قوله، وسار واليها ليلاً، فسبقهم إلى المخاض، ووقف في وجوههم يردهم، فقتل منهم جماعة. ثم تكاثروا وعبروا، فسبقهم طمان إلى شيح، وأمرهم أن يجعلوا النساء في المغاير ودربها.
فوصل عسكر الموصل، فرأوا ذلك، فعزموا على القتال، فصاح طمان: إذا كنتم تخفرون ذمتي، فأنا أرحل إلى الفرنج. وسار فى أصحابه إلى أن قرب من يغرا فوصله من أخبره بأنهم عادوا عنها، ولم ينالوا منها طائلاً. وخافوا من ملامة عز الدين، فعاد طمان، ونزل كل منهم في خيامه بحارم.
وكاتب المواصلة عز الدين، يطعنون على طمان، وإنه وافق أهل شيح، في العصيان، وأراد اللحاق بالفرنج، فأحضر طمان والمواصلة، وتقابلوا بين يديه. فقال لعز الدين: الحق مع حسام الدين، ولا يجور نقض العهد لواحد من المسلمين. وكان ذلك في شهر رمضان من السنة.
وبقيت المواحشة بين أمراء حلب والمواصلة، والحلبيون لا يرون التغاضي لمجاهد الدين. ومجاهد الدين يحاول أن يكونوا معه كأمراء الموصل. والأمراء الحلبيون يمنون عليه بأنهم اختاروه لهذا الأمر، ويطلبون منه الزيادة، ويختلق المواصلة عليهم الأكاذيب.
فهرب الأمير علم الدين سليمان بن جندر، قاصداً الملك الناصر إلى مصر.