وشتى الملك المعظم، والملك الأشرف بالغور. وأضحى الملك الأشرف كالأسير في يدي أخيه الملك المعظم، لا يتجاسر على أن يخالفه في أمر من الأمور، وهو يتلون معه، وكلما أجابه الملك الأشرف إلى قضية، رجع عنها إلى غيرها، وأقام عنده، إلى أن دخلت سنة أربع وعشرين وستمائة.
وانقطعت مراسلة الملك الأشرف إلى حلب، لكثرة عيون أخيه عليه، وكونه لا يأمن من جهة أمر يكرهه، لأنه أصبح في قبضته.
واتفق وصولي من الحج، في صفر من هذه السنة، فاستدعاني الملك الأشرف، وحملني رسالة إلى أتابك شهاب الدين، مضمونها ما قد وقع فيه مع أخيه. وأنه يتلون معه، تلون الحرباء، ولا يثبت على أمر من الأمور، وإن آخر ما قد وقع بيني وبينه، أنه التمس مني أن يحلف له أتابك على مساعدته ومعاضدته، وأن لا يوافق الملك الكامل عليه، وأنه متى قصده الملك الكامل، كان عوناً له على الملك الكامل. فلما أبلغت أتابك ما قال، امتنع من الموافقة على ذلك، وقال: أنا حلفني الملك الأشرف للملك الكامل، وفي جملة يمينه: أنني لا أهادن أحداً من الملوك على قضية إلا بأمره، فإذا أراد هذا مني فليأتني بأمر من الملك الكامل، حتى أساعده على ذلك.
وحين رأى الملك الأشرف وقوعه في أنشوطة أخيه، وأن لا مخلص له إلا بما يريده، ساعده على كل ما طلبه منه، واستحلفه على الملك الكامل، وصاحبي حماة وحمص، فاطمأن الملك المعظم إلى ذلك، ومكن الملك الأشرف من الرحيل، فسار إلى الرقة، في جمادى الآخرة من السنة.
فرجع الملك الأشرف عن جميع ما قرره مع أخيه، وتأول في أيمانه التي حلفها، بأنه كان مكرهاً عليها، وأنه علم أنه لا ينجيه من يدي أخيه إلا موافقته فيما طلب. وندم الملك المعظم على تمكينه من الإنفصال عنه، وسير العربان إلى بلد حمص وحماة، فعاثوا فيهما، ونهبوا.
وخرج عسكر الأنبرور ملك الفرنج إلى عكا، في جموع عظيمة، فطمع صاحب حماة، وصاحب حمص في الملك المعظم حينئذ، وأرسلا إليه يطلبان العوض عما أخذه من بلادهما، فلاطف حينئذ أخاه الملك الأشرف،