وصفه الطبري- ميَّالًا بطبيعته إلما النظام الذي هو أساس نجاح الأعمال، فكان ينظر في صدر النهار في أمور الدولة وما يعود على الرعية من خير، فإذا صلى العصر جلس مع أهل بيته، فإذا صلى العشاء نظر فيما يَرِدُ عليه من كتب الولايات والثغور وشاور وزيره ومن حضر من رجالات دولته فيما أراد من ذلك، فإذا مضى ثلث الليل انصرف سُمَّارُه، وقام إلى فراشه، فنام الثلث الثاني، ثم يقوم من فراشه فيتوضأ، ويجلس في محرابه حتى مطلع الفجر ثم يخرج فيصلي بالناس، ثم يدخل فيجلس في إيوانه ويبدأ عمله كعادته في كل يوم.
لقد وَصَفَ. المؤرخون الدولة العباسية بأنها ساست العالم سياسة ممزوجة بالدين والملك، فكان أخيار الناس وصلحاؤهم يطيعونها تدينًا، والباقون يطيعونها رهبة أو رغبة، وكانت دولة كثيرة الحاسن جمة المكارم، أسواق العلوم فيها قائمة، وشعائر الدين قيها مُعَظَّمة، والدنيا عامرة، الحرمات مرعية، والثغور محصَّنة، وقد بلغ عدد الخلفاء العباسيين سبعة وثلاثين في فترة: ١٣٢ هـ ٧٥٠/ م- ٦٥٦ هـ ١٢٥٨/ م، ومن أشهرهم: أبو جعفر المنصور، الذي سبق ذكره، والخليفة هارون الرشيد، وكانت فترة خلافته: ١٧٠ - ١٩٣ هـ وهو الذي جعل من العاصمة بغداد مركزًا عالميًّا للتجارة، وقبلة يتجه إليها طلاب العلم والأدب، كما طبقت شهرته الآفاق.
وكانت دولة الرشيد من أحسن الدول وأكثرها وقارا ورونقا وخيرا، ولم يجتمع على باب خليفةٍ من العلماء والشعراء والفقهاء والقرَّاء والقضاة والكُتَّاب ما اجتمع على باب الرشيد، وكان يصل كلَّ واحد منهم أجزل صلة ويرفعه إلى أعلى درجة.
ومنهم الخليفة المأمون ١٩٨ - ٢١٨ هـ امتدت خلافته عشرين سنة،