في الحقيقة هناك مزايا كثيرة لكتاب مختصر ابن عبد الحكم ﵀ وقد ذكرنا يعضها في الفصول السابقة في ثنايا الكلام، لكن نريد أن نذكر هنا شيئًا مهمًّا في الغاية وهو: الدقة العالية في النقل، وهذا واضح في الكتاب، سواء فيما نقله المؤلف إلى الكتاب، أو ما نقله غيره من الكتاب، وتكاد تكون كل نقولات المؤلف من الموطأ، إما بالحرف وإما بالمعنى، وهذا ما يوضح قولهم عن هذا المختصر إنه اختصر فيه علم الموطأ، وأما ما نقله عنه غيره من هذا المختصر فكثير: ومن الأمثلة على الأمرين؛ أنه جاء في باب السنة في الصلاة من هذا الكتاب؛ ما لفظه:"قال عبد الله بن عبد الحكم: "وأول وقت العصر إذا كان الفيء ذراعًا قامة بعد القدر الذي زالت عليه الشمس، ويستحب لمساجد الجماعات أن يؤخروا عن ذلك، وآخر وقتها أن يكون كل شيء مثليه" انتهى النص. قال ابن عبد البر في التمهيد ٣/ ٢٧٧: واختلفوا في أول وقت العصر وآخره فقال مالك: أول وقت العصر … فذكر نفس كلام ابن عبد الحكم بحروفه، ثم قال ابن عبد البر: وهذه حكاية ابن عبد الحكم وابن القاسم عنه -أي مالك- وهذا عندنا على وقت الاختيار. انتهى. سبحان الله على هذه الدقة.
ومن مزايا هذا الكتاب أيضًا أن فيه ذكرًا لأقوال بعض العلماء في مسائل الفقه مما لم تعرف لهذه الأقوال ذكرًا إلا في هذا الكتاب، كما هو الحال في بعض أقوال سفيان الثوري، والأوزاعي، وغيرهما.
ومن المزايا أيضًا في هذا الكتاب، وضوح العبارة وإيجازها مع كثرة المعنى والمضمون.