(١) وهذا باب جامع كما سماه المصنف فإنه جمع فيه أصول الآداب والأخلاق الإسلامية، وفنون التربية والسلوك السوية التي يجب أن يكون عليها المسلم في حياته اليومية وفي علاقته مع ربه سبحانه، وكذلك في علاقته مع غيره حتى تكون الحياة حياةً طيبة مباركة في ضوء ما أصله الشرع الحكيم. وإن ما صنعه المصنف -ابن عبد الحكم ﵀ في آخر كتابه هذا؛ هو عادة معظم فقهاء المالكية أنهم يخصصون في آخر مصنفاتهم بابا أو كتابا يسمونه "باب الجامع" أو "كتاب الجامع"، كما فعله الإمام مالك نفسه في أواخر الموطأ وسماه: "كتاب الجامع". وكذلك المصنف -ابن عبد الحكم- في آخر كتابه المختصر الكبير له "كتاب الجامع"، وسماه هنا في المختصر الصغير باب جامع الصنوف، وفعل نحو ذلك ابن الجلاب البصري في آخر كتابه التفريع له "كتاب الجامع"، وكذلك فعل أبو محمد ابن أبي زيد القيرواني في آخر كتابه مختصر المدونة له "كتاب الجامع"، والحافظ ابن عبد البر في آخر كتابه الكافي له "كتاب الجامع"، وكذلك القاضي عبد الوهاب المالكي له في آخر كتابه المعونة "كتاب الجامع" وللإمام القرافي في آخر كتابه الذخيرة "كتاب الجامع"، وابن جزي الكلبي الغرناطي له في آخر كتابه القوانين الفقهية "كتاب الجامع"، وابن الحاجب في آخر كتابه جامع الأمهات له "كتاب الجامع"، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وقد صنف بعضهم مصنفات خاصة باسم كتاب الجامع، كما فعله عبد الله بن وهب في: كتاب "الجامع" لابن وهب، وكذلك ابن أبي زيد القيرواني في "كتاب الجامع في السنن والآداب والمغازي والتاريخ" وهو مطبوع منزوع من كتابه السابق مختصر المدونة، وهذا أمر مهم للغاية، فإن العالم يحتاج إلى ذكر جمل لطيفة في الآداب والأخلاق الإسلامية، ولا يجد لها موضعًا مناسبًا لذكرها في ثنايا أبواب العبادات والمعاملات وغيرها، لكن فقهاء المالكية وُفِّقوا لهذا النوع من التبويب، فكانت الفكرة حلًّا مهما لهذه القضية، وقد قال الإمام القرافي ﵀ في الذخيرة ١٣/ ٢٣١، موضحًا أهمية ذلك في كتاب الجامع، فقال: "هذا الكتاب يختص بمذهب مالك لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب وهو من محاسن التصنيف، لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه أعني العبادات والمعاملات والأقضية والجنايات فجمعها المالكية في أواخر تصانيفها وسموها بالجامع أي جامع الأشتات من المسائل ................. =