للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[هـ] تَعَسُّفُهُمْ في تأويل القرآن لحمله على مذاهبهم. «وَفَسَّرُوا القُرْآنَ بِأَعْجَبِ تَفْسِيرٍ، يُرِيدُونَ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى مَذَاهِبِهِمْ، وَيَحْمِلُوا التَّأْوِيلَ عَلَى نِحَلِهِمْ» (١).

هذا موجز لمآخذ المحدثين على المعتزلة كما عرضها ابن قتيبة ونضيف إليها ما سبق أن ذكرناه من أن أهم ظاهرة أساءت إلى المعتزلة وَنَفَّرَتْ مِنْهُمْ جُمْهُورَ الأُمَّةِ هي محاولتهم حمل الناس على آرائهم بالقوة، وسعيهم في قهر المُحَدِّثِينَ على أن يعترفوا بأن كل آرائهم المخالفة للمعتزلة أخطاء توجب عليهم التوبة والاستغفار.

على أننا ينبغي أن نلاحظ أن المآخذ السابقة هي ظواهر للخلاف، أما السبب الرئيسي أو جوهر الخلاف فيجدر بنا أن نستخرجه من نشأة المعتزلة الذين أَدُّوا دَوْرًا هَامًّا فِي الفِكْرِ الإِسْلَامِيِّ، والذين كانوا من مظاهر الصحة له في النصف الأول من القرن الثاني، حيث هَالَهُمْ هذا الحشو الكبير الذي دخل في الحديث مما كان التسليم به يُشَوِّهُ جوهر الإسلام، بل كان فيما دخل في الحديث دعوة صريحة إلى التجسيم والحلول والثنوية وغيرها من الأفكار الدخيلة التي تتسرب بسرعة إلى العامة، وتجد لها في صفوف المُحَدِّثِينَ وبعض المشهورين في العلم أئمة يدعون إليها كمقاتل بن سليمان (٢). ومن ثَمَّ أخذ أوائل المعتزلة يحاربون هذه الأحاديث لا عن طريق السند فقط بل عن طريق العقل أيضًا، والحملة على هذه الأحاديث تستتبع الحملة على رُواتها من المُحَدِّثِينَ، بل يذهب بعضهم في سوء الظن إلى غايته فيشك في الحديث كله. وفي الرُواة كلهم حتى الصحابة. إن منهج السلف لم يعد يعجبهم، منهج التمسك بالظاهر وعدم التأويل إذ في هذا حَجْرٌ عَلَى العَقْلِ، ولا غناء فيه لمن يبغي محاربة أعداء الإسلام ممن لا يؤمن بالنقل، بَلْ يَتَسَلَّحُ بالمنطق والفلسفة والجوهر.


(١) انظر " تأويل مختلف الحديث ": ص ٨٠ وما بعدها.
(٢) يقول ابن الجوزي: «وَاعْلَمْ أَنَّ عُمُومَ المُحَدِّثِينَ حَمَلُوا ظَاهِرَ مَا يَتَعَلَّقُ بِصِفَاتِ البَارِي سُبْحَانَهُ عَلَى مُقْتَضَى الحِسِّ فَشَبَّهُوا لِأَنَّهُمْ لَمْ يُخَالِطُوا الفُقَهَاءَ» " تلبيس إبليس ": ص ١١٣.

<<  <   >  >>