للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من جنس هذه الحكاية؟.

وأما قوة السّياسة عنده فعظيمة، لم تعترضها هضيمة [١] ، فلا تغرنكم رقته وابتسامه، فإنّ وراء ذلك صرامة يخضع لها الأسود، وشهامة يحذرها السيّد والمسود.

هو البحر غص فيه إذا كان ساكنا ... على الدّرّ، واحذره إذا كان مزبدا

(طويل) وأما قوّة الذكاء والتيقّظ فهو فيها كما قال المتنبّي:

تعرف في عينه حقيقته ... كأنه بالذكاء مكتحل

أشفق عند اتقاد فكرته ... عليه منها، أخاف يشتعل

(منسرح) وأمّا قوّة العقل الغزير، والتمييز الصحيح، فإنّي لأظنّ أنّ عقلاء الملوك الماضين لو عاشوا وشاهدوه لتعلّموا منه كيف يساس الجمهور، وكيف تدبّر الأمور وأما قوّة الكرم الّذي تجاوز الحدّ وخرج، فحدّث عن البحر ولا حرج، فلو عاش الكرام الذين ضربت بهم الأمثال وعدمت لهم النظراء والأمثال، لتعلّموا منه غوامض الكرم ولتلقّفوا منه محاسن الشيم، ولو أنصفت لتركت وصف هذه القوّة من قواه عجزا عن الإحاطة بكنه وصفها، وقصورا عن القيام بواجب وصفها، ولكنّي أقول بحسب الجهد والطاقة: إن احتقاره للدنيا احتقار الأولياء، واستصغاره لها استصغار الزّهاد:

فلو جاد بالدنيا وثنّى بضعفها ... لظنّ من استصغاره أنّه ضنّا

(طويل) يعطي عطاء من يبقى الذّكر ويحييه، وينفد المال ويفنيه.

أعاذل، إنّ الجود ليس بمهلكي ... ولا يخلد النفس الشحيحة لومها [٢]

وتذكر أخلاق الفتى، وعظامه ... مغيّبة في التّرب بال رميمها

(طويل)


[١] الهضيمة: المظلمة.
[٢] اللّوم: اللّؤم، بتليين الهمزة جوازا، وهو ضدّ الكرم.

<<  <   >  >>