للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حديث الخوارج وما كان منهم وما آلت بهم الحال إليه]

لما جرى أمر التحكيم على الوجه المشروح، عاد الذين أشاروا بالتّحكيم وألزموا أمير المؤمنين- عليه السّلام- الرّضا به فندموا عليه ونفروا وأتوا عليّا- عليه السّلام- وقالوا: لا حكم إلا للَّه. قال عليّ- عليه السّلام-: لا حكم إلا للَّه. قالوا: فما لك حكّمت الرّجال؟ قال: إنّي لم أرض بقضيّة التّحكيم، وأنتم الذين رضيتموها. وإنّي أعلمتكم أنّها مكيدة من أهل الشأم وأمرتكم بقتال عدوّكم منهم فأبيتم إلا التّحكيم وغلبتموني على رأيي. فلما لم يبق بد من التحكيم، استوثقت وشرطت على الحكمين أن يعملا بكتاب الله عزّ وجلّ، وأن يحييا ما أحيا الكتاب، ويميتا ما أمات. فاختلفا وخالفا كتاب الله وعملا بالهوى. فنحن على الرأي الأوّل في قتالهم. قال الخوارج: أمّا نحن فلا ريب أنّا رضينا بالتحكيم أوّل الأمر، لكننا ندمنا عليه وعلمنا أنّا كنّا مخطئين فأنت إن أقررت على نفسك بالكفر واستغفرت الله من خطيئتك وتضييعك وتحكيمك الرّجال رجعنا معك إلى قتال عدوّك وعدوّنا، وإلا فها نحن قد نابذناك. فوعظهم بكلّ قول، وبصّرهم بكلّ وجه فلم يرجعوا.

واجتمعوا أمما من أهل البصرة والكوفة وغيرهم وقصدوا النّهروان [١] . وكان رأيهم أن يأتوا بعض المدن الحصينة فيتحصّنوا بها ويقاتلوا فيها. وصدرت منهم أمور متناقضة تدلّ على أنهم يخبطون خبط عشواء: منها أن رطبة سقطت من نخلة فتناولها رجل ووضعها في فيه فقالوا له: أكلتها غصبا وأخذتها بلا ثمن فألقاها. ومنها: أنّ خنزيرا لبعض أهل القرى مرّ بهم فضربه أحدهم بسيفه فعقره فقالوا هذا فساد في الأرض، فمضى الرّجل إلى صاحب الخنزير وأرضاه ومنها: أنهم كانوا يقتلون النفس التي حرّمت إلا بالحق [٢] : قتلوا عبد الله بن خباب- رضي الله عنه- وكان خباب من كبار الصّحابة. وقتلوا عدّة نساء وسبوا وفعلوا أفاعيل من


[١] النّهروان: موقع في العراق بين بغداد وواسط تحصّن فيه الخوارج وهاجمهم فيه عليّ فأباد معظمهم وشتّت شملهم في واقعة شهيرة بهذا الاسم عام/ ٣٧/ هـ. وقد ضبطت الكلمة في ألما النّهروان، انظر ص/ ١١٥/.
[٢] قصد المؤلف إلى أنّهم مجرمون.

<<  <   >  >>