للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولايته صحيحة لأنّه لم يأت بعده أحد. فاتّفقوا على ذلك، فتوجه الرّجل الّذي جاء في الآخر نحو الكوفة، وعاد الباقون إلى الوزير ففرّقهم في عدّة أعمال. وهجاه الشعراء فمما قيل فيه:

للدواوين مذ وليت عويل ... ولمال الخراج سقم طويل

يتلقى الخطوب حين ألمّت ... منك رأي غثّ وعقل ضئيل

إن سمنتم من الخيانة والجور ... فللإرتفاع جسم نحيل

(خفيف) ومما قيل فيه:

وزير لا يملّ من الرّقاعه ... يولّي ثمّ يعزل بعد ساعة

ويدني من تعجّل منه مال ... ويبعد من توسّل بالشّفاعة

(وافر) وقبض المقتدر عليه وحبسه، واستوزر عليّ بن عيسى بن الجرّاح.

وزارة عليّ بن عيسى للمقتدر

كان عليّ بن عيسى شيخا من شيوخ الكتاب، فاضلا ديّنا، ورعا متزهّدا متورّعا قال الصّوليّ: ولا أعلم أنّه وزر لبني العبّاس وزير يشبه عليّ بن عيسى، في زهده وعفّته وحفظه للقرآن وعلمه بمعانيه، وكتابته وحسابه، وصدقاته ومبراته قالوا كان دخل عليّ بن عيسى من ضياعه في كلّ سنة نيفا وثمانين ألف دينار، ينفق نصفها على الفقراء والضعفاء. ونصفها على نفسه وعلى عياله وأصحابه ونهض بأمور الوزارة وضبط الدواوين والأعمال، وقرّر القواعد، وكانت أيامه أحسن أيام وزير. قالوا: ما كان يعاب على ابن عيسى بشيء أكثر من قولهم: إنّه كان ينظر كثيرا في جزئيات الأمور، فربّما شغلته عن الكليّات. ولمّا ولي الوزارة فشت صدقاته ومبرّاته، ووقف وقوفا كثيرة من ضياع السّلطان وأفرد لها ديوانا سمّاه ديوان البرّ [١] ، جعل حاصله لإصلاح الثّغور [٢] وللحرمين الشّريفين: وكان


[١] البرّ: الصدقة أو الإحسان والعون.
[٢] الثّغور: جمع ثغر، وهو موطن المواجهة مع العدوّ على حدود الدولة.

<<  <   >  >>